للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٩٥)} [المائدة:٩٥].

فإن الله عز وجل لما أباح لعباده الصيد حال الحل, نهاهم عن قربان الصيد وقتله حال الإحرام, وعظم عز وجل هذا النهي أشد التعظيم لمن تعمد ارتكابه.

فجعل على من تعمد قتل الصيد الجزاء فقال: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} , وذلك تأديب وعقوبة من الله تعالى لمن هتك حرمة الله عز وجل (١).

ومن تعظيم هذه الحرمة: تعظيم أمر الكفارة وتغليظها, وجعل الحكم فيها لاثنين من العدول. فقال: ... {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} , فجعل الكفارة جزاء المثل أو الإطعام أو الصيام, وهذه الثلاثة ثقيلة على الطبع فاثنان منها يوجبان نقص المال, وواحدة توجب إيلام البدن (٢).

فأي هذه الثلاثة اختارها العبد كان تأديبا وردعا له على هذه المخالفة (٣).

ومن تعظيم الله عز وجل لهذه الحرمة أنه لم يجعل الحكم بالمثلية لشخص واحد فقط, بل جعله لاثنين عدلين يتشاوران ويحكمان فقال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} , ولذلك فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سئل أحدهم عن الجزاء, ما كان يحكم فيها حتى يستشير رجلا آخر, وذلك لتعظيمهم أمر الله, وقد روي ذلك عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.


(١) انظر: التحرير والتنوير (٧/ ٤٥).
(٢) انظر: تفسير اللباب, ابن عادل (٧/ ٥٢٨).
(٣) القول بالتخيير في هذه الآية هو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية, لأن (أو) تفيد التخيير, أما القول بالترتيب فهي رواية ثانية عن الإمام أحمد (انظر: المغني ٥/ ٤١٥) , والراجح هو قول الجمهور. (انظر: أضواء البيان ١/ ٣٣٤).

<<  <   >  >>