للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى ميمون بن مهران (١) أَنَّ أَعْرَابِيًّا، أَتَى أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: قَتَلْتُ صَيْدًا وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَمَا تَرَى عَلَيَّ مِنَ الْجَزَاءِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَهُ: (مَا تَرَى فِيهَا؟) , قَالَ: قَالَ الأَعْرَابِيُّ: أَتَيْتُكَ وَأَنْتَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُكَ، فَإِذَا أَنْتَ تَسْأَلُ غَيْرَكَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: (وَمَا تَذْكُرُ قَوْلَ اللَّهِ: ... {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}؟، فَشَاوَرْتُ صَاحِبِي حَتَّى إِذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَمْرٍ أَمَرْنَاكَ بِهِ). (٢)

فلم يستنكف خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشاور أبياًّ رضي الله عنه أمام الأعرابي, امتثالا لأمر الله وتعظيما له.

وأخرج الطبري بسنده إلى قبيصة بن جابر (٣) قال: (خرجنا حُجاجًا، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا نتماشى نتحدث، قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خُشَّاءه فركب رَدْعه ميتًا (٤)، قال: فَعَظَّمْنا عليه، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر رضي الله عنه، قال: فقص عليه القصة قال: وإلى جنبه رجل كأن وجهه قُلْب فضة -يعني عبد الرحمن بن عوف-فالتفت عمر إلى صاحبه


(١) هو ميمون بن مهران أبو أيوب الجزري الرقّي الإمام الحجة، عالم الجزيرة ومفتيها, نشأ بالكوفة ثم سكن الرقة, وحدث عن أبي هريرة، وعائشة، وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين, وروى عنه ابنه عمرو، وأبو بشر جعفر بن إياس، وحميد الطويل قيل أنه ولد سنة أربعين, وثقه جماعة، وقال أحمد بن حنبل: هو أوثق من عكرمة. توفي سنة ١١٧ هـ وقيل سنة ١١٦ هـ. (سير أعلام النبلاء ٥/ ٧١, ٧٢, ٧٨).
(٢) تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١٢٠٦) , قال ابن كثير رحمه الله: وهذا إسناد جيد، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق، ومثله يحتمل هاهنا. (انظر: تفسير القرآن العظيم ٣/ ١٩٣).
(٣) قبيصة بن جابر بن وهب بن مالك بن عميرة بن جذار الأسدي أسد خزيمة أبو العلاء, روى عن عمر ابن الخطاب وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص ومعاوية والمغيرة بن شعبة روى عنه الشعبي وعبد الملك بن عمير, وعنه عن قبيصة أنه قال: ألا أخبركم عمن صحبت صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت أحدا أفقه في دين الله تعالى ولا أحسن مدارسة منه .. الخ ,مات سنة ٦٩ هـ (التاريخ الكبير ٧/ ١٧٥) (تهذيب التهذيب ٨/ ٣١٠).
(٤) الخُشاء هو العظم الناتئ خلف الأذن (انظر: القاموس المحيط ص ٥٤٨) , وركب ردعه: أي خر صريعا لوجهه فمات (انظر: غريب الحديث, لإبراهيم الحربي ٢/ ٦٩١).

<<  <   >  >>