للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الآيات التي حذرتنا من مشابهة أهل الفسق ما حكاه الله عن المشركين من عاداتهم الجاهلية في طعامهم فقال: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)} [الأنعام: ١٣٨ - ١٤٠].

فقد كان من شأنهم أن حرموا بعض الأنعام وقالوا لا نطعمها إلا لمن شئنا, وكانوا يحرمون اللبن على النساء ويشربه ذكرانهم, وكانت الشاة إذا ولدت ذكرًا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء. وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء (١).

فأخبر الله تعالى في الآية الثالثة أن من هذا شأنه فهو من الخاسرين وذلك لما اتصف به من صفات الفاسقين ومن أعظمها: افتراء الكذب على الله عز وجل والجرأة عليه, ثم وصفهم الله بالضلال وهو الانحراف عن سواء السبيل فلا يرجعون إلى الحق ولا يهتدون إليه, وهي الصفة التي ختم الله بها الآية فقال: {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} , والآية فيها تحذير وتهديد لمن تشبه بهم, واقتدى بفعلهم. قال ابن العربي (٢) رحمه الله: (فهذا الذي أخبر الله سبحانه من سخافة العرب وجهلها أمر أذهبه الإسلام، وأبطله الله ببعثه الرسول عليه السلام, فكان من الظاهر لنا أن نميته


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم (٣/ ٣٤٦).
(٢) هو محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي المالكي، ولد في سنة ٤٦٨ هـ, سمع من خاله الحسن بن عمر الهوزني وجعفر السراج، ومكي بن عبد السلام الرميلي، وحدث عنه: عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الحافظ ... وأحمد بن خلف الاشبيلي القاضي والحسن بن علي القرطبي، صنف كتاب عارضة الاحوذي في شرح جامع الترمذي, وفسر القرآن المجيد، فأتى بكل بديع، وله كتاب كوكب الحديث والمسلسلات, وكان ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، ولي قضاء إشبيلية، فحمدت سياسته، وكان ذا شدة وسطوة، فعزل، وأقبل على نشر العلم وتدوينه. توفي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة ٥٤٣ هـ. (سير أعلام النبلاء ٢٠/ ١٩٨ - ٢٠٣)

<<  <   >  >>