للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك نهى الله سبحانه الشهداء أن يمتنعوا عن الشهادة إذا دعوا إليها فقال: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢].

وقد اختلف العلماء هل الآية تشمل التحمل أم يقصد بها أداء الشهادة إذا دعي إليها؟

فذهب الطبري إلى أن المراد بالآية أداء الشهادة دون التحمل (١) , وذهب غيره من العلماء إلى أن الآية تعم التحمل والأداء (٢).

فدلّت الآية على أن من تحمل الشهادة وجب عليه أداؤها ويحرم عليه كتمانها, كما قال تعالى في الآية الأخرى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)} [البقرة: ٢٨٣].

فالنهي في هذه الآية مع الوعيد المترتب على الكتمان يقتضي تحريم هذا الفعل (٣).

وقد حذر السلف من كتمان الشهادة, فقد أخرج ابن جرير بسنده إلى الربيع في قوله:

{وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فلا يحل لأحد أن يكتم شهادةً هي عنده، وإن كانت على نفسه والوالدين، ومن يكتمها فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، لأن الله يقول: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: ٧٢] وشهادة الزور، وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}. (٤)

وإذا تأملنا هذا الوعيد الشديد عرفنا ما يحويه من الحِكم العظيمة مما يقِّوم المجتمع ويصلحه فمن ذلك:


(١) وحجته في ذلك أن الشاهد لا يوصف بهذا الوصف حتى يتحمل الشهادة فإذا تحملها صح إطلاق وصف الشاهد عليه, انظر: جامع البيان (٦/ ٧٤).
(٢) كابن عباس والحسن بن أبي الحسن وقد رجح ذلك ابن عطية في المحرر الوجيز (٢/ ٥١٣) , والفخر الرازي في التفسير الكبير (٧/ ١٢٤) , وابن القيم في الطرق الحكمية (ص ٢١٧) , والشيخ العثيمين في تفسيره (٣/ ٤١٦) , وهو الراجح.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/ ٤٧٨).
(٤) جامع البيان (٦/ ٩٩ , ١٠٠).

<<  <   >  >>