للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذلك أن أهل الكتاب يجمع بينهم وبين المسلمين اعتقاد وجود الله وانفراده بالخلق والإيمان بالأنبياء ويفرق بيننا وبين النصارى الاعتقاد ببنوة عيسى والإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويفرق بيننا وبين اليهود الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديق عيسى، فأباح الله تعالى للمسلم أن يتزوج الكتابية ولم يبح تزوج المسلمة من الكتابي اعتداداً بقوة تأثير الرجل على امرأته فالمسلم يؤمن بأنبياء الكتابية وبصحة دينها قبل النسخ فيوشك أن يكون ذلك جالباً إياها إلى الإسلام، لأنها أضعف منه جانباً وأما الكافر فهو لا يؤمن بدين المسلمة ولا برسولها فيوشك أن يردها عن دينها (١).

والظاهر من قوله تعالى في الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} أنها الحُرَّة العفيفة (٢).

فلا يجوز للمسلم أن ينكح الإماء الكتابيات أو المومسات منهن فيجتمع فيها الكفر والبغي أو الكفر والرق, أو جميع هذه الصفات وبذلك يتخلل الفساد إلى الأسرة إما بسبب الفجور ونقص الدين أو بسبب الرق الذي يلحق الأولاد.

ومع ذلك كله فإن المسلم إذا خشي على ولده الكفر من هذا النكاح فلا ينبغي له أن يقدم عليه, ولذلك فقد كره عمر رضي الله عنه نكاح الكتابيات وخشي أن يزهد الناس في المسلمات أو تنكح المومسات منهن أو لغير ذلك من المعاني (٣).

وقد سئل الحسن عن زواج الكتابية فقال: (ما له ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حَصانًا غير مسافحة). قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: (هي التي إذا لَمَح الرجل، إليها بعينه اتّبعته) (٤).

وهذا كله من حرص الإسلام على بناء الأسرة الصالحة دينيا ودنيويا.


(١) التحرير والتنوير (٢/ ٣٦٣).
(٢) وهذا القول هو الراجح وعليه جمهور المفسرين في هذه الآية. انظر: تفسير القرآن العظيم (٣/ ٤٢) أضواء البيان (٤/ ١١٠).
(٣) انظر: جامع البيان (٩/ ٥٨٩) , (٤/ ٣٦٧).
(٤) أخرجه الطبري في التفسير وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (٩/ ٥٩١).

<<  <   >  >>