للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلام وبهذا يحصل التكاثر في الجنس البشري شيئا فشيئا على ما قضى الله وقدر, ولو شاء الله عز وجل لخلق رجالا كثر ونساءً كثيرات, وإنما يبدأ التكاثر شيئا فشيئا بأحكم نظام وأحسن تكوين.

وهكذا بث الله من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساءً, وبثهم في أقطار العالم على اختلاف أجناسهم وألوانهم يخلف بعضهم بعضا في هذه المعمورة, ويعمرونها, إذا مضى جيل خلفه جيل آخر حتى يرث الله الأرض ومن عليها (١).

وقد ساق الله هذه الحكمة العظيمة في مساق الامتنان على عباده وأن جحودها كفر

فبين أنه جعل لنا من أنفسنا أزواجا وجعل عن طريق ذلك الزواج البنين وهم أولاد الصلب وجعل من هؤلاء الأولاد الأحفاد أي أبناء الأبناء (٢) وهكذا يتكاثرون ويتناسلون

فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)} [النحل: ٧٢].

وقال: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١].

والمعنى يخلقكم ويبثكم وينشركم جيلا بعد جيل ولذا فإن التعبير بالمضارع يدل على أنه جل وعلا لا يزال يكثركم ولذلك جعل التزاوج بين الذكور والإناث (٣).

وفي قوله تعالى في آية النحل: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} وشمول الضمير للبشر والأنعام في قوله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} ... إشارة إلى حفظ النسل, لأنه جل وعلا لما خلق البشر وجعل لهم


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم (٢/ ٢٠٦).
(٢) وهذا هو ظاهر سياق الآية وهو ما رجحه ابن العربي في أحكامه (٣/ ١١٦٢) والقرطبي في جامعه (١٢/ ٣٨٠) , وابن عاشور في التفسير (١٤/ ٢١٨) والشنقيطي في الأضواء (٢/ ١٧١) , وذهب الطبري إلى شمول الآية لأولاد الأولاد والأختان والخدم (١٧/ ٢٥٨, ٢٥٩) وتبعه أبو حيان (٥/ ٦٥٥) , ووجه ابن كثير ما ذهب إليه الطبري فقال: وأما من جعل الحَفَدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي: وجعل لكم الأزواج والأولاد (٤/ ٥٨٧).
(٣) انظر: روح المعاني (٢٩/ ١٧).

<<  <   >  >>