للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة ركعا ووعدهم فيها بالعيش الهنيء الذي لا يتطلب منهم العناء والتعب وطلبهم أن يقولوا ما يحط به عنهم خطاياهم وذنوبهم وما فيه حياة قلوبهم, ولكنهم ضيعوا أمر الله واستبدلوه بطلب الحنطة نظرا لحياة أجسامهم وأبدانهم وقد أغناهم الله عن طلبه بضمانه لهم قبل ذلك في التيه وأنزل عليهم المن والسلوى. ولكنهم حين أعرضوا عن إقامة أمر الله واشتغلوا ببطونهم سلبهم الله هذه النعمة وحل عليهم العقاب جزاء تضييعهم (١).

والذي يظهر من خلال الآيات أن بني إسرائيل أشغلهم طلب الطعام والتلذذ به عن إقامة دين الله فقد وصل بهم الحال إلى البطر عما أنزله الله لهم من المن والسلوى دون عناء وتعب إلى طلب الدنيء من الطعام مع ما يجدون فيه من الجهد في إصلاحه وإنضاجه ولذلك فقد عوقبوا بالمذلة والغضب لإضاعتهم أمر الله, واعتدائهم في طلب ما تكفل الله لهم من الرزق.

وقد أخبر الله أنهم لو أقاموا شعائره لفتحت عليهم بركات السماء وخزائن الأرض وذلك في قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: ٦٦] فقد أشارت الآية إلى أن سبب ضيق عيش اليهود هو غضب الله تعالى عليهم لإضاعتهم التوراة وكفرهم بالإنجيل وبالقرآن, ولو أنهم أقاموا أوامر الله لأغدق عليهم في النعم ولرفع عنهم غضبه ورجزه (٢) ,وفي هذا دلالة واضحة على التلازم بين إقامة حدوده الله وبين المأكل والمشرب.

كما أن في هذه الآية تحذيرا للمجتمع أنهم معرضون لحرمان الرزق إن ضيعوا أمر الله فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يوشك أن يرفع العلم, فقال زياد بن لبيد (٣): يا رسول الله، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمنا أبناءنا؟ فقال: (ثكلتك أمك يا ابن لبيد: إن كنت


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٢٧٣ - ٢٧٧) , نظم الدرر (١/ ١٤٣).
(٢) التحرير والتنوير (٦/ ٢٥٣).
(٣) زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر الأنصاري البياضي شهد العقبة وبدرا, كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم في حضرموت, وولاه أبوبكر رضي الله عنه قتال أهل الردة من كندة (الإصابة ٢/ ٥٨٦).

<<  <   >  >>