للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك فإن من حضر الميت أثناء وصيته ورأى في وصية الميت ما يضر بورثته, فعليه أن يتقي الله ويجعل ورثة الميت مكان أولاده, فهل يرضى لهم ما يرضى لأولاده, فإذا رآه أوصى بما يضر بورثته فعليه نصحه وتوجيهه إلى الهدي النبوي والشرع الإلهي.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هذا في الرجل يَحْضُره الموت، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تَضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله، ويوفقه ويسدده للصواب، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضَّيْعَةَ. (١)

أما إن غلب على ظنه أنه لو أوصى للفقراء والمساكين ألا يضرَّ بورثته, فإن ذلك من التقوى, فكما أنه يحب أن يُحسَن إلى ذريته فعليه أن يتقي الله في الفقراء والمساكين.

و من حضر الميت حين وصيته في هذه الحال فعليه أن ينصحه عن الزيغ وأن لا ينهاه عن الوصية لذوي القربى من الفقراء والمساكين, بل يأمره بذلك, وأن هذا الأمر فيه صلاحه, إذ لو كان مكانهم لسره أن يوصى له. (٢)

فتقوى الله متحققة في كلا الحالين بالنظر فيما هو أقرب إلى الله وأصلح إلى عباده فيقوم به, ويراعي الأضعف والأحوج فإذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين فالمراعى إنما هو الضعف، فيجب أن يمال معه, حتى لا يكون المال وزرا على صاحبه. (٣)

وكذلك فإن من التقوى أن يوصي العبد لأهل قرابته المحتاجين بما لا يضر بورثته أيضا, فقد جعل الله ذلك حقا على المتقين لأنهم هم الذين يسعون إلى الكمال ويخافون التقصير وذلك في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)} [البقرة: ١٨٠].


(١) {أخرجه الطبري بسنده في التفسير (٧/ ١٩).
(٢) {انظر: جامع البيان (٧/ ٢٢) , المحرر الوجيز (٣/ ٥٠٨).
(٣) {وهذا القول اختيار ابن عطية رحمه الله, (المصدر السابق) , والقرطبي رحمه الله في تفسيره (٦/ ٨٩).

<<  <   >  >>