للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخبر في هذه الآية ألا جناح على المرأة إذا هي خافت من زوجها نشوزا وأثرة عليها إلى غيرها واستعلاء منه أو انصرافا عنها, أن تتصالح معه فيما يتفقان عليه لبقاء واستدامة عقد النكاح من ترك يومها له أو إعطائه مالا أو نحو ذلك, فلما بيّن ذلك ذكر عباده بالتقوى وأن ذلك خير من إلجاء المرأة إلى التنازل عن شيء من حقها فقال: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨)} [النساء: ١٢٨].

فوعد الله بالأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقى الله في نسائه وأبقى من كرهها وقسم لها ما قسم لمثيلاتها، وإن وجد في ذلك مشقة وكراهية, فما عند الله خير وأبقى، ولعله بامتثال أمر الله وبالصبر عليها وحسن معاشرتها وتحمل خلقها وطبعها تصفو حياتهما وتنقلب الكراهية إلى محبة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) (١).

ولما كان قلب العبد بمنزلة لا يستطيع معها أن يساوي ويعدل في محبته لأزواجه رفع الله تبارك وتعالى الحرج عن عباده في ذلك وبين أن التقوى هو إصلاح العمل بالقسم بين النسوة بالسوية وعدم الميل والجور في التعامل.

فقد قال تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٢٩)} [النساء: ١٢٩].


(١) {رواه مسلم في صحيحه, كتاب الرضاع, باب الوصية بالنساء, برقم (١٤٦٩) , ويفرك: أي يبغض.

<<  <   >  >>