للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: وَمعنى يتكَبرون أَي أَنهم يرَوْنَ أَنهم أفضلُ الْخلق، وأنَّ لَهُم مِن الحقِّ مَا لَيْسَ لغَيرهم.

وَهَذِه الصّفة لَا تكونُ إِلَّا للَّهِ خَاصَّة، لِأَن الله جلّ وَعز هُوَ الَّذِي لَهُ القدرةُ والفضلُ الَّذِي لَيْسَ لأحدٍ مِثله، وَذَلِكَ الَّذِي يستحقُّ أَن يقالَ لَهُ المتكبِّر، وَلَيْسَ لأحدٍ أَن يتكبَّر لأنَّ النَّاس فِي الحقوقِ سواءٌ، فَلَيْسَ لأحد مَا لَيْسَ لغيره، فَالله المتكَبرُ جلّ وَعز، وأَعلم الله أنَّ هَؤُلَاءِ يتكبَّرُونَ فِي الأَرْض بِغَيْر حقَ أَي هَؤُلَاءِ هَذِه صفتُهُمْ.

وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: فِي قَوْله: {يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (الْأَعْرَاف: ١٤٦) مِن الكِبَرِ لَا مِن الكِبْرِ أَي يتفضلون ويرون أَنهم أفضلُ من غَيرهم.

وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وَعز: {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

١٧٦٤ - اْ أَنَّ أَبَاكُمْ} (يُوسُف: ٨٠) أَي أعْلَمُهُمْ كأنَّه كَانَ رئيسَهمْ، وأمَّا أكْبَرُهم فِي السِّنِّ فرُوبيلُ.

قَالَ: والرئيسُ: شَمعونُ.

وَقَالَ الْكسَائي فِي رِوَايَته: كبيرُهم: يَهُوذَا.

وَقَوله جلّ وَعز: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} (طه: ٧١) أَي معلمكم ورئيسكم، والصبيُّ بالحجاز إِذا جَاءَ مِن عِنْد معلمه قَالَ: جِئْت مِن عِنْد كَبيري، والكَبيرُ فِي صفة اللَّهِ تَعَالَى الْعَظِيم الْجَلِيل، المتكبر: الَّذِي تكبر عَن ظلم عباده، وَالله أعلم.

وَأما قَول الله جلّ وَعز: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} (يُوسُف: ٣١) فأكثرُ المفسِّرينَ يقولونَ: أَعْظَمْنَه.

وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: أكبَرْنه: حِضْنَ، وَلَيْسَ ذَلِك بِالْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَة.

وَأنْشد بَعضهم:

نأتِي النِّسَاء على أَطْهَارِهنَّ وَلَا

نأتِي النِّساءَ إِذا أكبَرْنَ إكبْارا

(قلت) : وَإِن صحت هَذِه اللَّفْظَة بِمَعْنى الْحيض فلهَا مخرجٌ حسنٌ، وَذَلِكَ أنَّ المرأةَ إِذا حاضتْ أوَّل مَا تحيض فقد خَرجَتْ من حدِّ الصِّغَرِ إِلَى حدِّ الكِبَر. فَقيل لَهَا: أَكبَرتْ أَي حَاضَت فَدخلت فِي حدِّ الكبَر الموجبِ عَلَيْهَا الأمرَ والنّهْيَ.

وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: سأَلت رجلا من طيىءٍ.

فَقلت لَهُ: يَا أَخا طيىءٍ: ألكَ زَوْجةٌ؟

قَالَ: لَا وَالله مَا تزَوَّجت، وَقد وُعِدْتُ فِي بنتِ عمَ لي.

قلت: وَمَا سِنُّها؟

قَالَ: قد أكْبرَتْ أَو كَرَبَتْ.

فَقلت: مَا أكْبرَتْ؟

فَقَالَ: حاضَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>