بالسنة، وإلزام الناس بصلاة الجماعة، وترك الخمر، وإقامة الحد على متعاطيها ومنعها كليا في مملكتهم، بل منع شرب الدخان ونحوه مما هو من المشتبهات، ومذهب أحمد مبني على سد الذرائع كما لا يخفى ونحو هذا من التشديدات التي لا يراها المتساهلون أو المترخصون، وكل هذا لا يخالف سنة.
وهذا المذهب مؤسسه في الحقيقة ابن تيمية، ولكن حاز الشهرة محمد بن عبد الوهاب، وإليه نسبوا حيث توفق لإظهاره، بالفعل ونشره بالقوة، وتمكن من إحلاله محلا مقبولا من قلوب النجدين الذين قاتلوا عليه، فأصبح ابن عبد الوهاب ذا شهرة طبقت العالم الإسلامي وغيره معدودا من الزعماء المؤسسين للمذاهب الكبرى والمغتربين بفكرهم أفكار الأمم.
وابن ابن سعود توصل بنشر هذا المذهب لأمنيته وهي الاستقلال، والتملص من سيادة الأتراك والنفس العربية ذات شمم، فقد بدأ أولا بنشر المذهب، فجر وراءه قبائل نجد وأكثرية عظيمة من سيوف العرب؛ إذ العرب لا تقوم لهم دولة إلا على دعوى دينية، ولما رأى الأتراك ذلك ووقفوا على قصده، نشروا دعاية ضده في العالم الإسلامي العظيم الذي كان تابعها لهم، وشنع علماؤهم عليه بالمروق من الدين، وهدم مؤسساته واستخفافهم بما هو معظم بالإجماع كالأضرحة، وتكفير الإسلام، واستحلال دمائه إلى غير ذلك مما تقف عليه في غير هذا، وشايعهم جمهور العلماء في تركيا والشام ومصر والعراق وتونس وغيرها، وانتدبوا للرد عليه بأقلامهم، وخالفهم المولى سليمان سلطان المغرب، فارتضى مباديه إلا ما كان من تكفير من يتوسل، واستحلال دمه، فلا أظن أنه يقول بذلك حتى مدحه شاعره وأستاذه الشيخ حمدون بن الحاج، وتوجهت القصيدة مع نجل الأمير المولى إبراهيم حين حج مما تقف على ذلك في تاريخنا لإفريقيا الشمالية منقولا عن أبي القاسم الصياني وغيره.
ثم حصحص الحق، وتبين أن المسألة سياسية لا دينية، فإن أهل الدين في الحقيقة متفقون، وإنما السياسة نشرت جلبابها، وأرسلت ضبابها، وساعدت الأقلام بفصاحتها، فكانت هي الغاز الخانق، فتجسمت المسألة وهي غير جسيمة، ولعبت السياسة دروها على مسرح أفكار ذهب رشدها، فسالت الدماء