للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسب إرادتكم، ولا يجوز للعلماء أن يضيقوا على الأمة أو الدولة فيما لا مندوحة عنه وفيما به حياة الهيئة الاجتماعية "فإن خلاف علماء الأمة رحمة"١ "وإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تؤتى عزائمه" ٢ وإذا كان القاضي يحكم بالضعيف لدفع مفسدة، أو خوف فتنة، أو نوع من المصلحة، فالإمام أولى؛ لأن القاضي إنما هو نائبة لكن لا ينبغي الترخيص في ذلك إلا عند التحقيق بمصلحة عامة، لا خاصة إبقاء لهيبة الشرع الأسمى، مثلا الحنفية لا يجوزون القياس في الحدود، وقد دعت ضرورة الوقت لسن زواجر من ضرب وحبس لمن فعل جرائم غير مذكورة في الكتاب والسنة كتأديب وال ارتشى، أو عامل، أو أمين اختلس مال الدولة، أو نحو هذا، فلا بأس بالحنفي أن يقلد مالكيا يرى أن الإمام يعزر لمعصية الله أو آدمي بأنواع التعازير، ثم تقدر تلك التعازير، وتبين بأنواعها، وتكون جارية على القوي والضعيف، لتنضبط الحقوق اقتداء بما فعل عمر من الزيادة في حد الخمر لما لم يبق كافيا بعدما استشار الصحابة، وتقدم ذلك صدر الكتاب، لكن هذا بعد تحقيق الضرورة ووقوعه من أهل الكفاءة والنزاهة والعلم والنظر، كما أن العقوبة بالمال قال بها عدد من الأئمة.

وكفى بما كتبه الرزلي فيها وإن أنكره من كرون، فله أدلته، فإن كان الجري على قوله يفيدنا مصلحة أو يدفع مضرة، فالحاجة في المذهب بمنزلة الضرورة، فلا مانع من التمسك بما تمسك به البرزلي ومن قبله، وإذا كانت التعازير تكون في الظهر، وبالسجن باجتهاد الحاكم، فالمال أهون، وفي المذهب المالكي من ذلك بعض فروع كأجرة العون تحمل على المال ولا مانع على أن تقاس عليها صوائر الدعوى كلها إذا تبين لدد الخصم وتشغيبه، فكما أن صوائر هذه الدعاوى لم يكن في الصدر الأول وحدث، قبلتموه، وأكل منه القضاة وعدولهم، بل


١ قال شيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي صاحب "المغني" في كتابه "لمعة الاعتقاد" إن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مثابون في اجتهادهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة.
٢ حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد من حديث ابن عمر، وصححه ابن حبان، وله شاهدان من حديث ابن عباس وابن مسعود عند الطبراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>