تمولو فلا مانع من حملها على الظالم، الذي هو أحق بالحمل، ولا موجب لحملها على المظلوم، فهو ضلال في الدين لم يكن في زمنه عليه السلام، ولا زمن الخلفاء ولا الصدر الأول تقيد مقال، ولا تقيد جواب، وإنما كان القضاء كما قال عليه السلام في الصحيح عن أم سلمة:"إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون أبين بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من نار فلا يأخذها" ١ بعد ذلك حدث تقيد المقال والزيادة فيه، وحصره، وطلب بيانه وحصر الطلب، ورفع طلب البيان للمحكمين، فلا يصل المسكين طالب الحق للجواب حتى يصير شطر ما يطلب فضلا عن الحكم، فكما أحدثتم للحكم أجرة ثم أجرة أخرى لاستئنافه، وأجرة على الفتوى، وعلى الشهادات ونحو ذلك، وأحدثتم الصوائر.
فالواجب أن تجعلوها من المبطل الذي تسبب فيها، ولا تضيعوا حق المظلوم، وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، لكني أظن أنه لو جعلت الصوائر على المبطل، لقلت الدعاوى، وكسد القضاة والمفتون، لذلك تركوا ذلك على الطالب، والله أعلم بالحقائق.
وهذا كله قد دعت الضرورة أو الحاجة إليه وإلا فلا يجوز الإفتاء ولا القضاء إلا بالمشهور، أو الراجح إلا لضرورة كما سبق، نعم عند تحقق الضرورة أو المصلحة تعينت الفتوى بقول ولو ضعيفا ولأجل الضرورة تذكر الأقوال الضعيفة في الكتب الستة الفقهية، بل قدمنا قبيل ترجمة التقليد أنه يتعين على الأمة الإسلامية تهيئة رجال مجتهدين، وإن ذلك متيسر ليكونوا عونا على تحسين القضاء والأحكام، وسن الضوابط والقوانين النافعة المطابقة للشريعة المطهرة، وروح العصر، وللمصالح العامة، مراعي فيها العدل، وإتقان النظم، ليجددوا للأئمة مجدها، ويسلكوا بها سبيل الرشاد، ويزيلوا عنها قيود الجمود المضر، ويعرفوا كيف يخلصونها من مستنقعات الأوهام، ومزال الأقدام، ويحفظوا بيضتها من الاصطدام، فإنه إن بقي قضاؤنا وأحكامنا على ما هي عليه