والتاريخ كفيل بنشر مآثرهم، وليس التمدن في تقليد المتمدين تقليدا أعمى في كل ما فعلوا، فهذا مذموم، وأنتم تعيبون على مقلدة العلماء، بل الواجب أن نأخذ ما لنا فيه فائدة، وندع ما لا فائدة فيه، وهم نفسهم متضايقون من عوائد وقوانين تمدنية كرفع الحجاب وسهريات الرقص، وها نحن نراهم يمنعون الخمر، ويفكرون في إباحة تعدد الزوجات والطلاق، فأي رقي.
وأي ضرورة تلجئنا لنصب تمثال تذكار لوطني نحصل على تذكار بما هو أنفع، بل نصب التماثيل عندهم من الأمور التحسينية لا من الحاجية، ولا من الضرورية. وفي "الصحيح" أن أم حبيبة وأم سلمة رأتا كنيسة ببلاد الحبشة تسمى مارية فيها تماثيل، فقال صلى الله عليه وسلم:"أولئك قوم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح، صوروا له تلك الصور، هم شرار الخلق عند الله" ١ وليس كل ما يعب يكون عيبا، وليس كل ما عابونا به مما هو عيب تجنبناه، وليس كل ما نفعهم ينفعنا، بل ما لم يهدم أصلا شرعيا، فاستحسن الحاضرون الجواب، بل وكذلك السائل حفظه الله؛ لأنهم ناس منصفون ما رأيتهم بأن الحق إلا وطأطئوا له سراعا، وإني لأرجو نجاحهم لمحاسن أخلاقهم، والله يبقيهم، ويأخذ بيدهم في ترقيتهم.
المفتى هل يلزم أن يكون مجتهدا:
قد قسم ابن رشد في أجوبته المفتين إلى ثلاثة أقسام:
الأول: المجتهد المطلق القادر على أخذ الأحكام من أدلتها الشرعية:
الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستدلال، وهذا يجوز له الإفتاء عموما، ويولى القضاء وغيره من الولايات.
الثاني: طائفة اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا تحفظ مجرد أقواله، وأقوال أصحابه دون معرفة الأدلة، ولا تمييز الصحيح من تلك الأقوال من غيره،
١ أخرجه البخاري "١/ ٤٤٤" في الصلاة: باب الصلاة في البيعة، ومسلم "٥٢٨" في المساجد: باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها.