وهذه لا يجوز لها الإفتاء بمجرد التقليد من غير معرفة الدليل؛ لأنه إفتاء بغير علم، نعم يجوز لها أن تعمل في خاصة نفسها إن لم تجد مفتيا مجتهدا، فإن اختلف قول مالك أو أصحابه في مسألة، فيجري حكمه على حكم العامي إذا استفتى العلماء، واختلفوا عليه هل هو مخير أن يأخذ بقول أحدهم، أو يجتهد بقول أعلمهم، أو يأخذ بأغلظ الأقوال تحريا؟
وهذا الذي قاله ابن رشد من حرمة الإفتاء على أهل هذه الطائفة يوجب حرمة الإفتاء على أهل العصر، بل هذه العصور منذ انقطع الاجتهاد فيما زعموا إلى الآن، ولا يخفى ما في ذلك من زيادة إتلاف الدين، والقضاء عليه، وتتعذر الحقوق، وللضرورة يقبل غير العدول، وربما قبل الكافر في الشهادة، فيقاس على ذلك قبول غير المجتهدين في الفتوى من باب أحرى، ولذلك خالفه غيره، فقال بجواز الإفتاء للمقلد عند عدم المجتهد كجواز ولايته القضاء.
وعلى هذا درج صاحب "المختصر" في القضاء حيث قال: وإلا فأمثل مقلد، فحكم بقول مقلده. وعلى هذا عياض والمازري، وابن العربي وغيرهم، ولا أظن ابن رشد نفسه يخالفهم حيث اشترطوا في الجواز فقد المجتهد، وعليه فإذا وجد المجتهد، فلا سبيل لإفتاء المقلد ولا لتوليته القضاء؛ لأن المجتهد يحكم عن علم، والمقلد عن جهل.
وهذا إذا كان المجتهد مؤتمنا عدلا، وإلا فلا عبرة باجتهاده إلا لنفسه على الصحيح، ونقل ابن عرفة عن ابن زرقون وابن رشيد صحة تولية المقلد قاضيا مع وجود المجتهد، ونقل عن ابن العربي وعياض والمازري عدم الصحة. قال: وهو محكي أئمتنا عن المذهب، قال: ومع فقده جائز، ومع وجوده، فالمجتهد أولى اتفاقا نقله في "الاختصار".
الثالث: من يكون مقلدا لمالك وهو يعلم من أقواله وأقوال أصحابه ما هو جار على أصوله، وما هو سقيم غير جار على ذلك، ولكن لم يبلغ معرفة القياس ونحوه من الأدلة بحيث لا يقدر أن يقيس الفروع على الأصول وهذا ما يعرف