وفي السنة بعدها وظّفت أول وظيف عدلًا في صوائر دار المخزن بمكناس, أيام السلطان المولى عبد العزيز بن الحسن, وفي سنة ١٣٢٠ رقيت منه إلى وظيف أمين ديوانة مدينة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية، وفي هذه السنة قبل سفري إلى وظيفي الجديد تزوجت.
جملة اعتراضية:
في هذه السنة بدأ انقلاب الأحوال بالمغرب بثورة أبي حمارة التي سبَّبَت فقر مالية المغرب والسلف الأوربي، ثم سقوط المالية بيد إدارة السلف، وفناء حماة المغرب وأبطاله في الحروب الداخلية, وقد اختل النظام، وضاع الأمن، وفسدت الأخلاق، وضاعت الفضيلة والأمانة، وتكالبت الناس على الرياسات الوهمية وجمع الحطام, وتسلط على مناصب الدولة كل دخيل جاهل، فجَرَّ ذلك إلى تلاشي الدولة العزيزية، وتتابعت المحن، وأظلم جو المغرب، وفي أثناء ذلك وقعت معاهدة ٨ إبريل سنة ١٩٠٤ بين فرنسا والإنكليز، ثم مؤتمر الجزيرة الخضراء, بأثرِ المؤتمر بيسير سقطت الدولة العزيزية، وقامت الدولة الحفيظية, ثم وقع إثر ذلك الاحتلال, ثم إعلان الحماية سنة ١٣٣٩, وما استقرَّ الأمن إلا سنة ١٣٣١ فما بعدها شيئًا فشيئًَا. هذه إحدى عشرة سنة رأى المغرب فيها من الأهوال والشدائد ما يشيب له الرضيع، وتندك له الجبال.
دخلت معترك الحياة، وقرعت باب السياسة والبلاد في هذه المشاكل، ويناسبني أن أتمثل هنا بقول عبد الحليم بن عبد الواحد:
عشقت صقلية يافعًا ... وكانت كبعض جنان الخلود
فما قدر الوصل جتى اكتهل ... ت وصارت جهنم ذات الوقود