وهذال الزمن هو عنفوان العمر، وربيع الشباب, كنت آمل أني أستريح فيه من عناء الطلب، وأجد فيه راحة وهدوء وفراغًا لنشر العلم, والتمتع بحياة هنية, لكني صرت آسف على ما مضى, وأشفق من المستقبل, ووافق ذلك انزواء سيدي الوالد للعبادة، وتركه للدنيا التي كان كافيني إياها، فلزمني القيام بشئون كثيرة وعبء ثقيل ألهاني عن إعطاء كليتي لما كنت أتمناه من نشر العلم من اشتغالي بوظائفي الهامة، ثم آل الأمر للطامَّة الكبرى عليّ, وهي فقدي له -جعله الله فرطًا وذخرًا:
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
وقد كنت أشاهد بركة دعائه في كل حركاتي وسكناتي، وقد كنت أحرزت الحمد لله في طاعته وإرضائه مكانًا عظيمًا، وقد فارقته ولسانه وجوارحه تدعو لي, غير أسف في الدنيا إلّا على فراقي, أعاد الله عليّ فضل دعائه، وتغمده في رحمته، ويرى المطلعون على ذلك أن ذلك من سر نجاحي في كل أعمالي، وسرعة تقدمي وارتقائي، وسبوغ نعم عظمى على العبد الفقير يعجز عن ذكرها فضلًا عن شكرها، وحديث أصحاب الغار في الصحيح يؤيد ذلك، والقرآن والسنة طافحة به.