الدرجة، وذكر بعضهم أن ابن الزملكاني١ الدمشقي بلغ هذه الدرجة من أهل المائة الثامنة، وأثبتها والد الغبريني لأبي القاسم بن زيتون من أهل القرن السابع، وأثبتها بعض أشياخنا لأبي عبد الله بن شعيب، وابن أبي الدنيا، وأثبتها جماعة لناصر الدين أبي علي منصور بن أحمد المشذالي وغيرهم ومن رأى تآليفه وما يصدر عنه من الفتاوى والأجوبة في فنون متباينة، لم يبعد عنه إدراك هذه المرتبة. ويرحم الله بعض أئمتنا إذ يقول: نحن في زمان ثبت بالدليل الواضح فساده، ومن فساده جحد أهله الفضائل، لغلبة الحسد وعدم الإنصاف، فلا يعترف لصاحب هذه المرتبة بها ولو كانت حليته، ويرحم الله ناصر الدين بن المنير إذ يقول: فضل الله واسع، فمن زعم أنه محصور في بعض العصور، فقد حجر واسعا ورمي بالتكذيب، والليالي حبالى تلدن كل غريب.
وإذا تأملت ما نفاه الغبريني من الاجتهاد باستقلال مع ما أثبته ابن مرزوق من الاجتهاد المذهبي لم تجد بينهما خلافا وقد جنح الشيخ أحمد بن عبد السلام بناني في "الروض المعطار" إلى إثبات هذه المرتبة لسيدي عمر الفاسي، وسيدي العربي الفاسي، والشيخ الطيب بن كيران من أهل أوائل القرن الثالث عشر الفاسيين، وقد ادعاه بل الاجتهاد المستقل في القرن الماضي أيضا الإمام محمد الشوكاني اليمني الصنعاني، فتألب الزيدية ضده في اليمن، وعدوا إدعاءه خرقا لمذهبهم، ووقعت فتنة بينهم، ثم رجعوا وسلموا أذعنوا لما رأوا من علمه كما ذكر ذلك من ترجموه فيما طبع أول الجزء الأول من "نيل الأوطار".
وممن كان يحوم حوله العالم الهندي في القرن الماضي الأمير النواب سلطان بوهبال محمد صديق خان بهادر، وتقدمت لنا ترجمتهما، ويظهر لي أن ندرة المجتهدين أو عدمهم هو من الفتور الذي أصاب عموم الأمة في العلوم وغيرها، فإذا استيقظت من سباتها، وانجلى عنها كابوس الخمول، وتقدمت في مظاهر
١ لعله محمد بن علي بن عبد الواحد بن الزملكاني الذي قال فيه الذهبي، أنه بقية المجتهدين، وتقدمت ترجمته في الشافعية "المؤلف".