حياتها التي أجلها العلوم، وظهر فيها فطاحل علماء الدنيا من طبيعيات ورياضيات وفلسفة، وظهر المخترعون والمكتشفون والمبتكرون كالأمم الأوروبية والأمريكية الحية، عند ذلك يتنافس علماء الدين مع علماء الدنيا فيظهر المجتهدون.
وقد قدمنا أن الاستبداد ماح أو مضاد للاجتهاد وحرية الفكر إذ هي من دواعي الاجتهاد، ولا شك أن الأمم الإسلامية لا تشغل مقاما ساميا بين الأمم ما دامت ناقصة في هذه الميادين، وهي محتاجة لمجتهدين بإطلاق، عارفين بعلوم الاجتماع والحقوق يكون منهم أساطين لسن قوانين دنيوية طبق الشريعة المطهرة تناسب روح العصر، وتنطبق على الأحوال المتجددة والترقي العصري كما يوجد عند سائر الأمم لجان من الفطاحل المشرعين في مجالس النواب والشيوخ لهذا الغرض، كان مجلس شورى أبي بكر وعمر قدوة لهؤلاء، فلنسر رويدا في إحياء مآثر سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ولا عبرة بأمة لم تعرف حقوقها فتحفظها ولم تأمن عامتها شر خاصتها فذهبت حقوقها، وضاعت ثروتها بين المرتشين والمداهنين، والله يقول لنا:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} ١ وما جعلنا خير أمة إلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه مسألة حياة أو موت، وهي واسعة الأكناف، وفي هذه الفذلكة مقنع، وقد أطلت في هذه المقام؛ لأن جل أهل العصر تمكن اليأس من قلوبهم، والجمود من أفكارهم، فيحيلون أن يأتي في الزمان مجتهد، ويظنون أن هناك شروطا لا تمكن، ولا يتصور مع فقدها وجوده. وقد وضعنا أمامكم شروطه، والمواد التي يمكن بها الاجتهاد، ومن وصف به من العلماء لتعلم أن هذه رتبة ممكنة متيسرة سهلة الآن أكثر مما قبل الآن، وإنما المفقود أمران:
الأول: عزيمة الطالب على إدراكها، فإذا عزم، ومرن نفسه على استقلال فكره، وشغله بتدبر كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وترك التمرن على كلام المتأخرين الجامدين، وجعل بدله التمرن على فهم الكتاب والسنة، وكلام أئمة الاجتهاد مثل مالك وأضرابه كما كان أهل القرون الأولى يفعلون إذ كانوا