يتمرنون على فهم البخاري وتراجمه وأحاديثه، وأحاديث مسلم و"الموطأ" والأم" للشافعي، وفقه أبي حنيفة، ومسند أحمد، وأمثالهم، فإذا رجعنا لما كان عليه المجتهدون في كيفية تربية ملكاتهم صرنا مجتهدين مثلهم.
الأمر الثاني: رياضة النفوس على الأخلاق الفاضلة وترك السفاسف لتوجد الخصلة العزيزة وهي النزاهة التي تحصل بها الثقة العامة كما كانت حاصلة بالمجتهدين، فالذي فقد أو كاد هو الثقة وعليه فإنما يعز وجود شرط في الاقتداء لا في الاجتهاد وهو الأمانة التي تنشأ عنها الثقة.
أما شروط الاجتهاد، فليست بصعبة، ورأى بعضنا من علماء الوقت لا مانع من توفر تلك الشروط فيهم، وفضل الله غير محجر، بل يجب عليهم رفع همتهم والنهوض لإدراك هذه المرتبة، ونفض غبار الذل عن رءوس أهل العلم، وعليك أيها الناظر المتعطش أن تنظر ما كتبه في "إعلام الموقعين" مناظرة ثمينة على لساني مقلد ومجتهد وأدلتهما، فانظرها واستوعبها، ولا بد لترشد إلى الحق.
هذا وإن ما قدمته إنما هو الاجتهاد ليعمل الإنسان في خاصة نفسه، فإنه إذا تبين له الدليل، وجب عليه نبذ التقليد، أما الأحكام القضائية في الحقوق من بيع وطلاق وملك واستحقاق أو أي عقد كان، والإفتاء للغير فالصواب أن لا نشغل أنفسنا بالأماني والخيال، بل علينا النظر للحقائق الراهنة، واعتبار أحوال أهل زماننا الحاضرة وأن نربي رجال الاجتهاد للمستقبل، أما المعول عليه الآن فهو ما عليه الناس من التزام مذهب معين كمالك والشافعي أو غيرهما ممن ظهرت أمانته ومتانة أقواله، وحسن نظره، فلا معدل عن الراجح أو المشهور، أو ما به العمل لقلة الأمانة في الوقت الحاضر؛ إذ لو فتح باب الاجتهاد، لأطلقنا طغمة القضاة على كل تقييد ولاستباحوا أكثر مما ما استباحوا مما وهو واقع مشاهد.
لا سيما وباب الحيل قد فتح من قبل مع رقة الديانة، وذهاب الأمانة، ففي القرون الوسطى تحيلوا في إسقاط حد الزنى بالأم والخالة والعمة بأن يعقد عليهن زواجا، وفي إسقاط حد السرقة أن يدعي أن المسروق منه عبده، وأمثال هذا كثير