للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول الخلاف في الأشياء قبل ورود الشرع، فذلك الخلاف يجري هنا، فقول بالجواز، وقول بالمنع، وقول بالوقف. وهناك قول للظاهرية يقولون هذا من القسم المسكوت عنه رحمة غير نسيان، لكنهم يشددون، فيحلمون جميع المعاملات على الفساد حتى تثبت الصحة، ومذهب الأئمة الأربعة وجمهور الأمة أن جميع المعاملات على الصحة حتى يقوم دليل على الفساد.

ولنرجع إلى الاجتهاد، وطريق الاجتهاد الصحيح في هذه النازلة هو أن نرجع إلى الأصول التي بني الفقه عليها، فنجد الفقه يستمد من أمرين مسموع معقول، كما تقدم لنا في الجزء الأول من هذا الكتاب، فالمسموع القرآن المتواتر، والسنة الصحيحة أو الحسن، وفي معناها الإجماع، فإذا لم نجدها، رجعنا للمعقول، الذي هو القياس والاستدلال، وقد وجدنا حديث نهى عن بيع الغرر١ وهذا الحديث له مفهوم مخالفة في لفظ بيع، فما كان بيعا، فهو منفي عنه منطوقا، وما كان غير بيع، فهو مباح مفهوما، وهذه المعاملة لا بيع فيها وفيها غرر، فهي مباحة، ومفهوم المخالفة ما عدا اللقب عند المالكية والشافعية والحنابلة مقدم على القياس والاستدلال؛ لأنه من باب المسموع الذي هو مقدم على المعقول، ولا نذهب للمعقول إلا لضرورة عدم المسموع كما سبق لنا في القسم الأول والثاني من الكتاب.

وهذا المفهوم يؤيده المعنى المقصود من تشريع الحكم، وذلك أن الشرع يمنع الغرر في البيع؛ لأنه إضاعة لأحد العوضين على أحد المتعاوضين دون الآخر، وفي باب التبرع لا معاوضة، فلا منع، هذا يجري على أصل مالك والشافعي وابن حنبل من تقديم الكتاب أو السنة منطوقا ومفهوما على القياس والاستدلال. ويدل لقصة دلالة المفهوم أيضا ما رواه الترمذي أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسيب الفحل فنهاه، فقال: إنا نطرق الفحل، فنكرم، فرخص له في الكرامة٢


١ أخرجه مالك "٢/ ٦٦٤" مرسلا، ورواه موصولا مسلم في صحيحه "١٥١٣".
٢ أخرجه الترمذي "١٢٧٤" من حديث أنس، وأخرجه البخاري "٤/ ٣٧٩" في الإجازة، ومسلم "١٥٦٥" "٣٥" من حديث ابن عمر بلفظ، نهى عن عسيب الفحل، وعسيب الفحل: ضرابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>