للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني رخص له في الهدية لا البيع، ولولا أن مفهوم لفظ بيع معتبر لما زاد الهبة في الحديث الصحيح: نهى عن بيع الولاء وهبته١ وذلك أن الولاء لحمة كلحمة النسب فكما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته بخلاف الغرر، فإن المعنى الذي منع لأجله في البيع لا يوجد في أبواب التبرع، وذلك ظاهر، أما إذا ذهبنا على مذهب القياسيين الذين لا يرون مفهوم المخالفة دليلا، فإننا ننظر أقرب الأشياء المنصوصة شبها بالسكرتاه، فنقيس عليها ولا سبيل لقياسها على البيع؛ إذ لا معاوضة هنا فالأظهر والأقرب أن تلحق بباب التبرع، وإن لم تكن منه من كل وجه مراعاة للمصالح المرسلة التي هي من الأصول التي بنيت عليها الشريعة. وقد تقدم في الجزء الأول الكلام عليها.

وفي "جمع الجوامع": والصحيح أن أصل المضار التحريم والمنافع الحل، قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} ٢. ا. هـ. ممزوجا. وباب التبرع قد أباحوا فيه الغرر ولو كثيرا فقالوا: يجوز التبرع بالعبد الآبق مثلا، وعليه، فلا منع من الغرر في باب السكرتاه "التأمين" يعني ضمان الأموال هذا ولا أدعي اجتهادا، ولست أهلا له، ولكن أقول: الصحيح أنه يتجزأ كما تقدم، وإذا أردنا الجري على طريق المتأخرين وهو تخريج فتاويهم على الفروع المنصوصة في المذهب فلنا أن نخرجها على مسألة وقعت بسلا أواسط القرن الثامن على عهد قاضيها أبي عثمان سعيد العقباني تسمى بقضية تجار البز مع الحاكة، وذلك أن تجار البز رأوا توظيف مغارم مخزنية ثقيلة عليهم، فتواطئوا على أن كل من اشترى منهم سلعة ثقف درهما عند رجل يثقون به، وما اجتمع من ذلك استعانوا به على المغرم، وأراد الحاكة منعهم بدعوى أنه يضر بهم، وينقص من ربحهم، قال العقباني: فحكم بإباحة ذلك بشرط أن لا يجبر واحد من التجار على دفع الدرهم، وقد بسط القضية في نوازل البيع من المعيار الإمام الونشريسي، ولم يتعرض العقباني، ولا الإمام القباب الفاسي الذي أفتى بالمنع مخالفا له لمنع التجار من ذلك لعلة الغرر أو


١ أخرجه البخاري "٥/ ١٢١"، ومسلم "١٥٠٦" كلاهما في العتق.
٢ سورة البقرة: ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>