كون بعضهم ينزل أكثر من الآخر لتفاوتهم في متاجرهم طبعا ولا ضيقا هذه المعابر لما في ذلك من المصلحة المرسلة، وما قال أحد منهما بفساد هذه المعاملة، أو ادعى فيها قمارا أو غرر لعدم قصدهما، ومن أصول الفقه أن الأعمال بمقاصدها، بل أفتى المانع بالمنع نظرا إلى تضرر الحاكة بالدرهم بدعوى أنه ينقص من الثمن في مآل الأمر، وما يؤدي إليه الحال ولم تقبل فتواه، بل فتوى المجيز هي المقبولة.
وبتأمل هذه الفتوى يظهر لك أنها سواء مع قضية الضمان وهما كصناديق التوفير للموظفين والتعاون والتقاعد الجاري عمل الأمم عليها في أقطار الدنيا.
ولما كنت أؤلف نظام القرويين سنة ١٣٣٢ عرضت على أعيان فاس الذين كانوا بالمجلس جعل صندوق للتقاعد بها فاستحسنوه، وقيدوه من جملة مواد الضابط، بل قضية الضمان أحق بالجواز من قضية تجار البز والتقاعد؛ لأن هذا الضمان جعل لصيانة المال الذي هو أحد الكليات الخمس التي أجمعت الملل والنحل على وجوب حفظها، وأن الذي أفتى بكونها غررا، أو إضاعة للمال لم يحرر المناط، ولا هدي لطريق الاستنباط بل الغرر كل الغرر في منعها وتركها، وإنما صيانة أموال الناس في إباحتها.
٢- وأما من زعم من علماء الوقت أن ضمان المال "السكرتاه" من الميسر والقمار والمحرم بنص القرآن، فهو خروج عن مهيج الاستنباط المعقول، فإن في المعنى المراد من لفظ الميسر اختلافا بين أهل العلم حتى قال ابن العربي في الأحكام في سورة البقرة: ما كنا نشتغل به بعد أن حرمه الله، فما حرم الله فعله وجهلناه، حمدنا الله عليه وشكرناه. ا. هـ. عدد ٦٣ ج١ وإذا كان ابن العربي يجهله ولم يحقق ما هو، كان مجملا، والمجمل لا تقوم به حجة كما هو مقرر في الأصول.
كيف نلحق الضمان بأمر مجهول وهو الميسر وقد حكى الجصاص وغيره أقوالا في تفسيره، فسقط الاستدلال بآية الميسر، ولم تقم له بها حجة لإجمالها على أن القمار أو الخطار أو الميسر الذي هو محرم بإجماع، ولا يختلف فيه اثنان هو أن ينزل هذا مائة وهذا مائة، ويلعبان لعبة، فمن غلب أخذ جميع المائتين كما