أدى الحميل ورجع على المضمون، صار سلفا بمنفعة في صورتنا ومنها: أنه من بياعات الغرر، ونحن لا بيع في صورتنا، وكذا من علله بأن الضمان معروف لا يكون إلا لله، فذاك ضمان الذمم.
والذي أراه أن المنع ليس سوى تمحل في الدين، وإرهاق المسلمين حتى ينبذوا دينهم الذي هو صلاح لآخرتهم ودنياهم، وقد جرت العادة عند كثير من أهل الإفتاء إذا لم تكن خصومة أن يتظاهروا بالورع فيتسرعوا إلى فتوى التحريم بأدنى خيال شبهة جبنا وخوفا من التشنع، وظانين أن الورع إنما هو التحريم وهو ظن لم يوافق الواقع، بل الورع وراء ذلك وهو تحري روح التشريع الإسلامي، وما يوافق مبادئ الشريعة السمحة جوازا أو منعا ولا يصادم النصوص القرآنية والسنة الصالحة للاحتجاج ولا الإجماع ولا أشك أن بعض من أفتى بالحرمة قد يفعلونه، فالواجب عليهم أن يسلكوا بالأمة سبيل الرخصة التي سلكوها لخاصة أنفسهم؛ لأن الظن بهم أنهم ما تجرءوا على ارتكاب محرم تيقنوه، فلينظر العالم المفتي فعل غيره بالعين التي نظر بها فعل نفسه لا أزيد ولا أنقص ولا يغتروا بما وقع في فتاوى كثير من المتأخرين الفروعيين من تمحلهم لمعاملات جعلوها من باب الربا المحرم، ولا يكاد يفهم فيها قصد الربا لأحد المتعاقدين، بل لا يستبين وجه العلة التي استندوا إليها إلا بعد التدبر العميق، والحفر عنها بمعاول عظيمة، ولا شك أن التعمق في الدين منهي عنه في شريعتنا السمحة، فلنترك صعاب الشعاب جانبا ولنسلك جادة الدين اليسر وقد أوصى عليه الصلاة والسلام معاذا وأبا موسى الأشعري بقوله:"يسرا، ولا تعسرا، وبشرا، ولا تنفرا" ١ وليس سبيل التحري فيه هو في الدين والورع محصورا في تضييق الدين، بل سبيل التحري فيه هو أن يصيب روح التشريع الإسلامي المبني على حفظ ناموس الأمة وشرفها، واغتباطها بشرعها، وكونه موافقا مصلحتها، ولا يكون حجرة عثرة في سبيل رقيها مع المحافظة على المنصوص، والمجمع عليه، والأقدام على التحريم بغير دليل ليس
١ أخرجه البخاري "١٠/ ٤٣٥" في الأدب، ومسلم "١٧٣٢" في الجهاد باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير.