بأهون من الإقدام على التحليل، وقد نهى الله عن الجميع سواء بقوله:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} ١ الآية كما أن التساهل إلى حد انحلال الشريعة، والتلاعب بنصوصها ليس من سمة المسلمين بل هو مما نعى الله على بني إسرائيل.
ومن ذلك الذي يفتي بحلية معاملة البنوك التي هي الربا الصراح زاعما تقليده للحنفي الذي يجيز معاملة الربا مع الحربي وهو يعلم أنه لا يوجد في الوقت الحاضر حربي، وأن أوروبا لم تبق دار حرب ولا حنفي ولا مالكي يقول ذلك، ولربما جمع في فتواه بين هذين المتناقضين يبيح الربا ويمنع الضمان متساهلا في الأول، ومشددا في الثاني، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، ولا أعجب من هذه الفتاوي في زمننا المظلم لأني رأيت فتوى للإمام السنوسي بحرمة القهوة التي هو البن المعلوم، وفتوى الإمام ابن غازي بطهارة ماء الماحيا الذي يصنعه اليهود شرابا لهم، ولكل من الإمامين وقع في الغلط بسبب معرفته ما أفتى فيه، فالذي حرم القهوة، علل الحرمة بعلل، منها الإسكار وهو لا وجود له فيها، ولا التفتير، ولا النشاط، ومنها ضررها بالبدن وكونها لم تكن في الصدر الأول، وهذا شيء لا يوجب الخرمة، كذلك ابن غازي زعم أن الماحيا لا تسكر، وهو غلط، والصواب إباحة القهوة، وحرمة الماحيا الخبيثة. وأكثر أغلاط الفتاوى من التصور.
هذا وقد نص القرافي في الفرق ٣٦ وغيره على أنه عليه السلام كانت له تصرفات من حيث إمامته العظمى وخلافته الكبرى، وتصرفات من حيث الفتوى وبالتبليغ. ا. هـ. فلأي شيء حمل المتأخرون من أصحاب هذه الفتاوى جميع أوامره عليه السلام فيما يرجع للمعاملات الدنيوية على الباب الثاني دون الأول الناظر إلى المصالح الدنيوية، ولأي شيء لم يحملوا أوامره ونواهيه المتعلقة بالأمور الدنيوية كالبيع والإجارة والمساقاة والديون والشركة والسلف والقراض والمزارعة ونحوها على أوامر إرشادية سياسية من حيث إمامته العظمى الناظرة للمصالح الدنيوية مرتبة على مصالح حربية أو مدنية أو سياسية بحسب ما يقتضيه مقام كل