للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوه للباجي١, فهذا مقبول اتفاقًا ممن يقول بالقياس، قال ابن السمعاني٢: إن كان الاستحسان هو القول بما يستحسنه الإنسان ويشتهيه من غير دليل, فهو بطل ولا أحد يقول به، وإن كان هو العدول عن دليل إلى دليل أقوى منه, فهو مما لم ينكره أحد, ثم ذكر أن الخلاف لفظي.

وقال الشيخ بناني٣ في حواشي الزرقاني, أول باب الاستحقاق عن المراق ما نصه: روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: الاستحسان تسعة أعشار العلم.

وقال ابن رشد في سماع أصبع من كتاب الاستبراء: الاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون أغلب من القياس, هو أن يكون طرد القياس يؤدي إلى غلوٍّ في الحكم ومبالغة فيه, ٤ فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنًى يؤثر في الحكم, فيختص به ذلك الموضع، والحكم بغلبة الظن أصل في الأحكام.


= والثاني: أن ابن الأخ الذي يدلي بالأخ مقدَّم على العمِّ الذي يدلي بالجد بإجماع, وهذا يقتضي تقديم الإخوة عليه، إلّا الإخوة لأم, لكن عارضه أن الجد أب ما, وهو تعدد النسب، والأخ ليس بأصل ولا فرع, لذلك أعطيناه رتبة أعلى من الأخ, وأدنى من الأب, فيحجب الإخوة لأم إذ هم ذوو رحم من أصل، ويقاسم الأشقاء أو لأب إذا كانت المقاسمة خيرًا له، وإلّا تحافظنا له على الثلث مع عدم ذي الفرض, وعلى السدس أو ثلث الباقي إذا كان معهم ذو فرض يضيق عليه وعليهم، فهذا استحسان من زيد بن ثابت، وبه قال الشافعي ومالك على ضعف هذه الحجة وقوة الأولى نظرًا. فتأمله.
١ سليمان بن خلف الباجي الأندلسي، أخذ عن أبي الأصبغ وأبي محمد مكي وغيرهم, وروى عن الحافط أبي بكر الخطيب, وأخذ عنه ابن عبد البر، وبينه وبين ابن حزم مناظرات، قال القاضي عياض: حاز الرئاسة بالأندلس, فسمع منه خلق كثير, وتفقَّه عليه خلق, وممَّن تفقه عليه أبو بكر الطرطوشي، ت سنة ٤٧٤هـ، الديباج المذهب" "١/ ٣٧". وقد ترجم له المؤلف في أوائل القسم الرابع.
٢ أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار، ت سنة ٤٨٩هـ. "طبقات الشافعية للسبكي" "٥/ ٣٣٥"، وانظر ترجمته في القسم الرابع من الكتاب.
٣ محمد بن الحسن البناني الفاسي، ت سنة ١١٩٤هـ، ترجم له المؤلف في أواخر أصحاب مالك في القسم الرابع من الكتاب.
٤ قال المؤلف -رحمه الله: مثاله الأخ الشقيق مع الأخوة لأم في الحمارية والمشتركة، فإن طرد القياس يؤدي إلى غلوٍّ في الحكم، هو حرمان الأشقاء مع أن الأم التي استحقَّ بها الأخوة للأم شاركوها فيها, وكونهم أبناء أبي الميت لا يزيدهم إلا قربًا، لذلك ألغينا هذا القياس لمعنى يؤثر في الحكم, وشاركوهم في الثلث, والشافعي يقول بهذا كمالك, فلزمه القول بالاستحسان, ولو سماه بغير اسمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>