للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الاستحسان مراعاة الخلاف وهوأصل في المذهب، ومن ذلك قولهم في النكاح المختلف في فساده أنه يفسخ بطلاق, وفيه الميراث, وهذا المعنى أكثر من أن يحضر.

وأما العدول عن مقتضى القياس في موضوع من المواضع استحسانًا لمعنًى لا تأثير له في الحكم, فهو مما لا يجوز بالإجماع؛ لأنه من الحكم بالهوى المحرم بنصِّ التنزيل, قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} ١ الآية "بخ"٢.

وقال ابن العربي في أحكام سورة الأنعام ما نصه, وبهذه الآية أعني قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ} ٣ الآية. أنكر جمهور من الناس على أبي حنيفة القول بالاستحسان, فقالوا: إنه يحرّم ويحلل بالهوى من غير دليل, وما كان ليفعل ذلك أحد من أتباع المسلمين, فكيف أبو حنيفة وعلماؤنا من المالكية كثيرًا ما يقولون القياس كذا في مسألة, والاستحسان كذا. والاستحسان عندنا وعند الحنفية هو العمل بأقوى الدليلين، وقد بينَّا ذلك في مسائل الخلاف، نكتته أن العموم إذا استمرَّ والقياس إذا اطَّرَد, فإن مالكًا وأبا حنفية يريان تخصيص العموم بأيّ دليل كان من ظاهر أو معنى، ويستحسن مالك أن يخص بالمصلحة, ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس، ويرى مالك وأبو حبيفة تخصيص القياس ببعض العلة, ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبتت تخصيصًا، ولم يفهما الشريعة من لم يحكم بالمصلحة, ولا رأى تخصيص العلة, وقد رام الجويني رد ذلك في كتبه المتأخرة التي هي نخبة عقيدته ونخيلة فكرته، فلم يستطع، وفاوضت الطوسي الأكبر ٤ في ذلك وراجعته حتى وقف، وقد بينت ذلك في المحصول والاستيفاء بما في تحصيله شفاء، فإن قال أصحاب الشافعي: فقد تاخمتم هذه المهواة, وأشرفتم على التردي في المغواة, فإنكم زعمتم أن اليمين يحرم الحلال, ويقلب الأوصاف الشرعية, ونحن براء من


١ ص: الآية ٢٦.
٢ اصطلاح يعني: باختصار.
٣ الأنعام: ١٣٦.
٤ لعله عبد الرزاق بن عبد الله بن علي بن إسحاق أبو المحاسن شهاب الدين الطوسي، كان قد تفقه على إمام الحرمين الجويني، ت بنيسابور سنة ٥١٥ هـ، "النجوم الزاهرة" "٥/ ٢٢٢", "طبقات الشافعية للسبكي" "٧/ ١٦٨". "عبد العزيز القارئ".

<<  <  ج: ص:  >  >>