للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى أبو يعلي بإسنادٍ فيه ضعف عن ابن عباس: أن أبا ذر كان يحدث ويقول: لا


= أوروبا, وكان الإسلم في ابتدائه على هذا المذهب, فكان مالهم كله لله ولرسوله, لا يملكون شيئًا لمكان الضرورة والقلة الداعية لذلك، وكانت مصلحة الدعوة للدين ونشره وإظهاره تدعو للاستعانة باموالهم وأنفسهم, فكانت أموالهم وأنفسهم كلها لله, يتصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها كيف يشاء, فقد أمرهم بالهجرة فهاجروا من مكة، وخرجوا عن مالهم وأولادهم, وفارقوا من بقي على الشرك من أزواجهم, وآخى بين المهاجرين أولًا في مكة, ثم آخى بينهم وبين الأنصار في المدينة, فكان المهاجري يرث الأنصاري وبالكعس، وفي مسلم عن أبي سعيد: بينما نحن في سفر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء رجل على راحلة له قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له, ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له" قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منها في فضل، ومن ذلك ما في الصحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كراء الارض، وفيه أيضًا: نهي أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ، وفيه أيضًا: "من كانت له أرض فليزرعها، أو ليرزعها أخاه ولا يكرها"، وفي لفظ البخاري: " فليزرعها أو ليمنحها, فإن لم يفعل فليمسك أرضه" , فهذا هو أصل الاشتراكية المعتدلة. لكن الجمهور على ان ذلك قد نسخ بجعل الإرث للقرابة ومن يستحقه في كتاب الله, وبفرض جزء من المال معين وهو الزكاة لا يجب على مسلم غيره، وتقررت الملكية الناسخة للاشتراكية, لكن أبو ذر لا يرى نسخ الحكم, وكان يلبس مثل ما كان يلبس مملوكه, كما يدل لذلك حديث الصحيح، ولهذا أنكر عليه معاوية, وبسبب ذلك خرج من الشام إلى الربذة إلى أن مات بها -رحمه الله*.
* قال فضيلة الشيخ عبد العزيز القارئ: هذا مما سبق التنبيه عليه، والمؤلف هنا أعوزه الحذر وفارقه التحقيق, ونحن نأخذ عليه أمرين في عجالته هذه: أولهما: أن أبا ذر -رضي الله عنه- لم يوافقه معظم الصحابة على اجتهاده في فهم آية الكنز، وعلى رأسهم الخليفتان الراشدان عثمان وعلي، ولذلك لم ينكر أحد على عثمان لما نفاه إلى الربذة، ولعل مكمن الخطأ في اجتهاده -رضي الله عنه- أنه أراد أن يحمل الأمة على أمر لما يلزمها بها لشارع الحكيم، إذ لم يلزم الإسلام أحدًا أن يوزع فضول ماله على الناس، وإنما أوجب عليه حقًّا معلومًا من ماله هو الزكاة، فمتى أداها طاب له ما بقي من ماله, ولم يعد كنزًا، عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز" رواه أبو داود "٢/ ٩٥"، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كبر ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق، فقال: يا نبي الله, إنه كبر على أصحابك فرض المواريث لتكون لمن بعدكم ... الحديث" أبو داود "٢/ ١٢٦".
وأما ادعاء المصنف أن أموال المسلمين في ابتداء الإسلام كانت كلها بيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتصرف بها كيف يشاء، فإنها كانت كذلك ولكن لا على سبيل المصادرة والتأميم, وإنما كان يندبهم =

<<  <  ج: ص:  >  >>