والميع الغريب، أحد من فحول السلف، ولا رمى مرماه حاذق الخلف، ولا اقترب من حماه مؤرخ نجيب, ولا صاحب المعية أريب، ولا اهتدى أحد من المبتكرين للإشارة لهذا المنزع المصيب، مع مسيس الحاجة إلى معرفة أحوال نشأة الفقه وتطوراته، وكيفية تأصيلاته وتفريعاته, فسبحان مولانا الذي ادَّخر هذه المنقبة العظيمة لهذا الرجل العظيم، ووفقه إلى استخلاص المناهج الفقهية والأدلة الشرعية وخلاصة السنة النبوية المرعية، وجعل علمه موضوع عمله المبرور, والسعي المشكور, مع تفوقه في بيان أساس المجتهدين، وما جرى به عمل الصحابة والتابعين، وكأني به يقول بلسان حاله الصريح, لمن يحاول تقريظ هذا المشروع: هيهات فإنك كمن يرى الناس محاسن القمر ليلة إبداره بإيقاد الشموع، يا له من مشروع سدلت عليه حلة الحمد والثنا، وأديرت كئوس معارفه على ذوي الإنصاف بالرحيق، وأضرمت حرارة شهبه في أكباد الحسدة من نار الحريق، فكشرًا لك أيها المؤلف بعد شكر من ألهمك لهذا الصنيع، وهنيئًا لك بهذا الغرس البديع، الذي رأيت نضارة محاسنه على نضارة رياض الربيع, لازلت ترفل في رياض العلوم غاديًا ورائحًا، وفي كل أعمالك السرية والجهرية ساعدًا ناجحًا، وأثابك على علمك بمضاعفة الحسنات، والعفو عن السيئات.
تقريظ مفتى فاس سابقًا, وابن مؤسسها وقاضي تازة سابقًا, ووجدة حالًا, العلامة المحرر مولاي إسماعيل الإدريسي الحسني, ونصَّ بعد الديباجة:
يظن كثير من الناس أن المغرب الأقصى شاغر من العلماء أرباب الأفكار الحكيمة, والأقلام السيالة بالحقائق الفلسفية الناصعة, مصورة بصورة المحسوس الملموس, والمفيدين بابتكار الموضوعات الهامة في التأليف والنشر، ومن حكماء ماهرين يحللون المعلومات تحليلًا كيمياويًّا يدل على حياة العلم في أقصى المغارب، ولكن لا يزال الزمان يرينا خلاف ذلك على طريق نقيض، يرينا أن بين ظهرانينا ومن فلذات كبد ذلك المغرب، ومن أبناء جلدتنا العلماء والحكماء والمفكرين والمبتكرين والمفيدين، وناهيك في هذا الباب بذلك العلامة الحلاحل، والأستاذ الفرد الأوحد، الوزير الأمثل, سيدي محمد الحجوي الثعالبي، وناهيك