مرشد إلى تأليف الجمعيات للتعاون في هذه الدار على الاقتصاد مانع من الربا الذي به خراب الجمهور من الأمة، كما أنه مبيِّنٌ لفصل الخصومات سواء في المال أو الدماء أو الأعراض.
وبيَّنَ ما يلزم لحفظ المجتمع العام من نصب الإمام وشروط استحقاقه للإمامة, وما يجب له من الطاعة, وعليه من المشهورة والعمل بالشريعة وإقامة العدل بين أصناف الرعية مسلمين أو غير مسلمين.
ثم قسم السلطة فجعلها خططًا١, وهي الإدرات المدنية, ومنها القضاء, فحدَّد للقاضي خطته وبيَّنَ للشاهد كيفية توثيق الحقوق, وأمر بكتبها وتبيانها وعدم كتمانها. وهكذا خطة المحتسب, ثم بقية الخطط، وحكم على من خرج من طاعة الإمام أن يقاتل، وإذا وقع حرب من أمة أجنبية فبيَّن القواعد الحربية, ثم السلمية, وأمر بحسن الجوار, وإقامة الحدود على من أخاف السايلة, أو خالف نصوص الشريعة, وبيَّنَ التأديبات والزواجر والقصاص ورفع الأضرار.
وبالجملة قد استقصى الشئون الاجتماعية وبيَّنَها, حتى دخل مع الرجل لبيته وحكم بينه وبين زوجته، فبيَّنَ ما له وما عليه، وفصَّل ما عسى أن يقع بينهما من الخصومة, حتى حكم بين الرجل وولده، وبينه وبين نفسه، حتى بعد مماته بيَّنَ قسم ميراثه ودفنه وقبره، ثم أوصى بأيتامه خيرًا, وبيَّنَ كيف يوصي على أولاده, وبيَّنَ قدر ما يوصي به, وكيفية الحجر على السفية والترشيد.
كل ذلك لينتظم أمر الحياة, ويعيش المسلم عيشة منتظمة يتفرغ معها لإعداد الزاد ليوم المعاد.
فالفقه الإسلامي نظام عام للمجتمع البشري لا الإسلامي فقط، تام الأحكام لم يدع شاذة ولا فاذة، وهو القانون الأساسي لدول الإسلام والأمة الإسلامية جمعاء، وإن انتظام أمر دول الإسلام في الصدر الأول وبلوغها غاية لم تدرك بعدها في العدل والنظام لدليل واضح على ما كان عليه الفقه من الانتظام وصراحة النصوص وصيانة الحقوق ونزاهة القائمين بتنفيذ أوامره مما لا يوجد الآن، ودليل عى ما كان لهاتيك الدول من التمسك بحبله المتين، وما
١ قال المؤلف -رحمه الله: قد أنهى الشيخ علي الخزاعي الخطط والعمالات والحرف الشرعية إلى نيف وخمسين ومائة خطة في كتابه "تخريج الدلالات السمعية" فانظره.