أما العراق ودار الخلافة وهي بغداد، فبعد تسلط الديلم، وانقسام تلك الممالك إلى دول صغيرة في القرن الرابع كما تقدم قد نزلت بها الداهية الدهياء التي لم ينزل بالإسلام مثلها منذ نشأ إلى الآن وهو تسلط التتر على دار الخلافة، وقتل الخليفة المستعصم العباسي سنة ٦٥٦ ست وخمسين واستولى أميرهم هولاكو على بغداد وما وراءها إلى الهند وما أمامها إلى دمشق الشام، وقتل الملايين من المسلمين، وفعل أفاعيل المتوحشين مما لا يقدر أي قلم على وصفه ولا أي ذهن على تحمل تصوره إلا أن تغلبه العبرة، وصارت الممالك العظيمة عبرة بعد ما كانت ملأى بالمدارس والمكاتب والمراصد والمستشفيات والمصانع، وذهب بذلك علم الإسلام وعلماؤه بالقتل، وكتبه وذخائره ورجاله بالحرق والغرق، وتمدنه وحضارته، وكان هولاكو وقومه مشركين، ولذلك يعتبر دخولهم بغداد فاصلا بين تاريخ الإسلام القديم والجديد، ولكنه لم تأت سنة ٧٠٠ سبعمائة حتى أسلم ملك التتار قازخان بن طرخان بن هولاكو وأسلم معه مائة ألف مقاتل من التتر، لكن بعد ما خربوا مدن الإسلام من سمرقند وخراسان وخوارزم إلى دمشق الشام، وأذهبوا زهرة مدينة العرب والأتراك والفرس وغيرهم من الأجناس الإسلامية، فإذا أضفت ذلك إلى سقوط صقلية ومدنها بيد النولارمان، وخراب القيروان بيد البدو وكل منهما في أواسط القرن الخامس كما سبق، ودخول البربر لقرطبة في آخر القرن الرابع، وفيه ابتداء سقوطها الذي انتهى سنة ٦٢٣ ثلاث وعشرين وستمائة بدخول إسبانيا لها، ثم بعدها إشبيلية، تعلم مقدار ما رزئ به الإسلام والفقه في هذه القرون الخامس والسادس والسابع، ثم في آخر القرن الثامن ظهر تيمورلنك من بقايا التتر المسلمين، ففتح جل آسيا كبلاد الهند وخراسان وإيران والعراق والشام وآسيا الصغرى وشرع في فتوح الصين، وملك نصف الدنيا، لكن خرب من معالم الإسلام ما بقي وفعل بدمشق الشام ما فعله سلفه ببغداد.
أما في المغرب، فضعفت الدولة الإسلامية الموحدية، وكثرت الفتن ما بين سقوطها وبين نهوض الحفصية بتونس والزناتية بتلمسان، والمرينية بالمغرب في