المائة السابعة. هذه الدول الثلاث كانت تتنازع البقاء بينها وكل منها يريد الاستحواذ على غيره، ثم سقوطها أيضا بعد ذلك، وذهاب دولة بني الأحمر التي كانت بقيت بسيف البحر في الأندلس، واستيلاء العدو على غرناطة وجميع الأندلس، وخروج الإسلام من جنوب أوربا الغربي، وذلك في القرن العاشر الهجري، ولم تأت سنة ١٠١١ إحدى عشرة وألف حتى لم يبق في الأندلس إلا من تنصر جبرا، وأتلفت المدارس والمكاتب والمعاهد وكل آثار التمدن العربي حتى الكتب، فقد حرق الكردنيال كسمينس ثمانين ألف مخطوط عربي في ساحات غرناطة، وأصدر أمره بإبادة الكتب العربية في إسبانيا قاطبة، فبقي إتلافها مسترسلا مدة نصف قرن.
بهذه الحوادث الهائلة ذهبت علوم أهل إفريقيا والأندلس، لكن كانت دولة الأتراك قد ظهرت في أول القرن السابع بآسيا الصغرى، وصارت تعظم شيئا فشيئا إلى أن استولت على معظم آسيا تقريبا وممالك من شرق أوروبا وإفريقية إلى أن بلغت إلى حدود المغرب الأقصى بل كان المغرب تحت سيطرتها أيام السعديين في القرن العاشر.
واستجدت للإسلام عظمته التي فقدها منذ قرون، بل فتحوا القسطنطينية العظمى التي عجزت عنها دول الإسلام قبله من يد الروم الشرقية سنة ٨٥٧ سبع وخمسين وثمانمائة، وفتحوا شرق أوربا كبلاد اليونان والبلغار والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكثير من بلاد الروس، وبلاد المجر، وهنكاريا، وكان لهم قدم عظيم في الفتح واتساع الممالك أنسى من قبلهم، وبنوا على أنقاض ممالك الإسلام الساقطة من التتر وغيره مملكة عظمى، ففتحوا الحجاز بما فيه مكة والمدينة، وصاروا حماة الحرمين الشريفين، وفتحوا العراق والشام واليمن ومصر، وتنازل لهم الخليفة العباسي الذي كان بها عن لقب الخلافة، فصار ملوكهم خلفاء الإسلام منذ سنة ٩٢٣ ثلاث وعشرين وتسعمائة. ومن العجب أنه في السنة قبلها تم استيلاء الإسبان على الأندلس نهائيا ثم إن الأتراك فتحوا تونس والجزائر، وأحاطوا بالبحر الأبيض إحاطة الهلال بالنجم، فكان لهم