للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أساس، والفقه بناء، وكل بناء على غير أساس فمنهار، وكل أساس لا بناء عليه فخراب، وعلى ما بينهما من التداني، وشدة الحاجة بل الفاقة اللازمة لكل منهما إلى صاحبتها، فهما أخوان متهاجران على أنه يجب عليهما التناصر والتعاون، فأهل الأثر وكدهم الرواية، وجمع الطرق، وطلب الغريب والشاذ الذي أكثره موضوع ومقلوب، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، ولا يستخرجون ركازها وسرها، وربما عابوا الفقهاء، وتناولوهم بالطعن، وادعوا عليهم مخالفة السنن، ولا يعلمون أنهم قاصرون عن مبلغ العلم بالسنن، وآثمون بسوء القول.

وأما أهل الفقه، فإن أكثرهم لا يعرجون إلا على أقل قليل من الحديث، ولا يكادون يميزون بين سقيمه من صحيحه، ولا يعبئون أن يحتجوا بالسقيم إذا وافق آراءهم وقد اصطلحوا على قبول الضعيف والمنقطع إذا ما اشتهر عندهم، وتعاورته الألسنة من غير تثبت فيه أو يقين علم به، فكان ذلك ضلة في الرأي وغبنا فيه، ولو حكي لهم عن أئمة مذاهبهم قول، لتثبتوا واستبرءوا له العهدة، فتجد أصحاب مالك لا يعتمدون إلا رواية ابن القاسم أو أشهب أو أضرابهما من نبلاء أصحابه، فإذا جاءت رواية عبد الله بن عبد الحكم، لم يكن عندهم طائلا، وترى أصحاب أبي حنيفة يتثبتون، ولا يقبلون إلا رواية محمد بن الحسن أو أبي يوسف والعلية من أصحابه، فإذا جاء عن الحسن بن زياد اللؤلئي وذوي روايته قول بخلافه، لم يقبلوه، وكذلك تجد أصحاب الشافعي إنما يعولون على رواية المزني والربيع بن سليمان المرادي، فإذا جاءت رواية حرملة والجيزي وأمثالهما لم يلتفتوا إليها وهكذا كل فرقة من الفقهاء في مذهب أئمتهم لا يقتنعون١ إلا بالثقة الثبت، فإذا كان هذا في الفروع، فكيف يجوز لهم أن يتساهلوا في الأمر الأهم، والخطب الأعظم وهو الرواية عن رسول رب العزة الواجب حكمه، اللازم طاعته، الذي يجب التسليم لأمره، والانقياد لحكمه حتى لا نجد في أنفسنا حرجا


١ قوله: لا يقتنعون إلا بالثقة الثبت إلخ هذا مع وقوع الاختلاط في المذاهب، وكثرة الروايات والرواة، فأصحاب الشافعي البغدادي ينقلون أقوالا غير ما ينقله المصريون، وهكذا المالكية لهم طريقة العراقيين والحجازيين والمصريين والقرويين، نص على ذلك صاحب "المعيار" نقلا عن ابن مرزوق في نوازل الصلاة. ا. هـ. مؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>