على مفارقته، إلا أن يكون قصارا عن فهمه، غير عاشق للعلم، ولا تطربه الفصاحة والبلاغة، لذلك لم تيسر له تواليف مهمة تناسب علمه مع اقتطاف المنون له في زهرة الشباب، ومع ذلك فله تواليف لا تخلو من أهمية كشرحه لخطبة المطول، وتأليفه في البسملة في الصلاة وغيرهما.
وكان أكثر أخذه وتخرجه بالفقيه محمد بن العباس العراقي كما أخذ عنه أحمد بناني كلا السابق ونسيبه جنون والوزاني وغيرهم، وأجازه عدة مشارقة في وجهته للحج، كما أشار لبعض ذلك في ثبته الذي أجازني به، وقد ذكرته في الفهرس، وبينه وبين البخاري من بعض الطرق أحد عشر شيخا، وبينه وبين مالك أربعة عشر، وقد بقي على حاله الموصوف إلى أن نزلت به سكتة ألزمته الفراش مدة، ثم وجد بعض الراحة غير تامة، فبقي بين اعتلال وإبلال إلى أن توفي سنة ١٣٢٦ ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بضريح أبي غالب برأس القليعة من فاس، وانقرض عقبه من الذكور رحمه الله، إلا أن عقبه العلمي لا ينقطع، إذ جل من يشار إليهم في الوقت مستمدون منه، نعم بموته انطفأت تلك النهضة العلمية العربية، والله يعيدها لأحسن ما كانت.
٨٢٠- أبو محمد عبد السلام بن محمد الهواري:
فقيه نقاد، مشارك نفاع، من أساطين العلم الكبر، وأنجمه الدرر، أغر البيان، وبرهانه العيان، فخم مفخم في تدريسه المرتل ألذ من إيقاع المثاني في إلقائه الذي لا يمل، تكسوه جلاله عند الإلقاء لم تكن عند اللقاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، استقضى بقصر كتامة ثم السويرة، ثم صار قاضي فاس، أخذت عنه حظا من الفقه والبيان والحديث وغيره وله حواش على شرح لامية الزقاق لابن سودة السابق، وشرح على الوثائق البنانية الكل مطبوع.
توفي رحمه الله في أواخر جمادى الثانية عام ١٣٢٨ ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف.