وعلى الثاني (١) بقوله تعالى: ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً﴾ (٢).
والجواب: أن التقدير: فمضت مدة فجعله غثاء (٣)، أو بأن "الفاء" نابت عن "ثم" كما جاء عكسه، وسيأتي.
وتختص الفاء: بأنها تعطف على الصلة ما لا يصح كونه صلة؛ لخلوه من العائد (٤)؛ نحو: اللذان يقومان فيغضب زيد أخواك (٥). وعكسه (٦)؛ نحو: الذي يقدم أخواك فيغضب هو زيد (٧).
(١) أي وهو التعقيب.
(٢) أي: بعد قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾؛ فإن جعله غثاء أحوى، لا يعقب إخراج المرعى، ولا يتصل به، ومعنى غثاء: جافا هشيماً. والأحوى: الأسود. من الآية ٥ من سورة الأعلى.
(٣) أي فيكون المعطوف عليه محذوفا، وقد قيل: إن هذا لا يدفع الاعتراض؛ لأن مضي المدة لا يعقب الإخراج، وأجيب بأنه يكفي أن يكون أول أجزاء المضي متعقبا للإخراج، وإن لم يحصل بتمامه إلا في زمن طويل؛ نحو قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾، من الآية ٣٣ من سورة الحج. فإن اخضرار الأرض يبتدي بعد نزول المطر، لكن لا يتم إلا في مدة ومهلة.
(٤) ذلك لأن ما في الفاء من معنى السببية، جعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة، فأغنى ذلك عن الرابط.
(٥)"اللذان" مبتدأ. "يقومان" الجملة صلة. "فيغضب زيد" الجملة معطوفة بالفاء على جملة يقومان الواقعة صلة، وكان القياس عدم صحة العطف؛ لخلوها عن ضمير يعود إلى الموصول؛ لأنها رفعت الظاهر، وهو "زيد"، ولكن عطفها بالفاء سوغ ذلك؛ لما في الفاء من معنى السبب كما بينا. "أخواك" خبر المبتدأ.
(٦) أي: وهو أن تعطف الفاء ما يصلح أن يكون صلة، على ما لا يصلح لذلك.
(٧)"الذي" اسم موصول مبتدأ. "يقوم أخواك" الجملة صلة، وهي خالية من ضمير يعود إلى الموصول؛ فكان القياس عدم صلاحيتها، ولكن عطف جملة "فيغضب هو" عليها بالفاء، وهي مشتملة على عائد إلى الموصول، سوغ ذلك. "زيد" خبر المبتدأ، والعائد هو الضمير