للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيمن نصب نعله؛ فإن ما قبلها في تأويل ألقى ما يثقله (١). أو شبيهاً بالبعض (٢)؛ كقولك: أعجبتني الجارية حتى كلامها، ويمتنع: حتى ولدها (٣).

وضابط ذلك: أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول حتى (٤).

والرابع: كونه غاية في زيادة حسية؛ نحو: فلان يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوف، أو معنوية؛ نحو: مات الناس حتى الأنبياء أو الملوك (٥).

رحله: الرحل: ما يستصحبه المرء من المتاع، وهو أيضاً: ما يوضع على ظهر الناقة، بمنزلة السرج للفرس، والزاد: كل ما يستصحبه المسافر ليبلغه مقصده. "ألقى" فعل ماض، وفاعله يعود على المتلمس. "الصحيفة" مفعوله. "كي": حرف تعليل. "يخفف" فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد "كي". "والزاد" معطوف على الصحيفة. "حتى" حرف عطف. "نعله" معطوف على الزاد.

المعنى: أن المتلمس رمى بالصحيفة ليخفف ما معه من متاع، وألقى كذلك ما معه من زاد يتبلغ به، حتى نعله التي يلبسها رمى بها، وكان من أمر هذه الصحيفة: أنه وطرفة هجيًا عمرو بن هند الملك، ثم مدحاه بعد ذلك؛ فكتب لكل منهما صحيفة إلى عاملة بالحيرة وختمها، وأمره فيها بقتلهما. وأوهمهما أنه كتب لهما بصلة؛ فلما بلغا الحيرة فتح المتلمس صحيفة، وعلم بما فيها فألقاها في النهر وفر إلى الشام. وأبي طرفة أن يفتح صحيفة، ودفعها إلى العامل فقتله.

الشاهد: عطف "نعله" بحتى على ما قبله؛ لأنه بعض من المعطوف عليه بالتأويل كما بين المصنف، ويحتمل أنه منصوب بفعل محذوف يفسره "ألقاها"، وهذا على رواية النصب، وروي بالرفع؛ على أن "حتى" ابتدائية، و"نعله" مبتدأ، وجملة "ألقاها" في محل رفع خبر، كما روي بالجر، على أن "حتى" حرف غاية وجر، و"نعله" مجرور بها.

(١) ولا شك أن النعل بعض ما يثقله ويتعب حركته في الهرب.

(٢) أي في شدة الاتصال به؛ كالعرض الملازم للكل، من غير أن يدخل في تكوينه، مثل: العلم، واللون، والخلق، والصوت، والكلام … إلخ.

(٣) لأن الولد ليس جزءًا ولا شبيهاً بالجزء بخلاف الكلام كما أوضحنا.

(٤) المراد: الاستثناء المتصل؛ لأن شرط الاستثناء المتصل: أن يتناول ما قبل أداته ما بعدها نصًا.

(٥) فإن الأنبياء والملوك غاية الناس في الزيادة المعنوية؛ وهي الاتصاف بالنبوة والملك؛ ولهذا لا

<<  <  ج: ص:  >  >>