وأما لكن: فعاطفة خلافًا ليونس (١)؛ وإنما تعطف بشروط: إفراد معطوفها، وأن تسبق بنفي أو نهي، وألا تقترن بالواو؛ نحو: ما مررت برجل صالح لكن طالح، ونحو: لا يقم زيد لكن عمرو، وهي حرف ابتداء (٢)، إن تلتها جملة كقوله:
إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره … لكن وقائعه في الحرب تنتظر (٣)
أي أن "إما" الثانية تفيد ما تفيده "أو" من المعاني؛ نحو: اقصد إما هذه الجهة وإما النائبة؛ أي الجهة البعيدة، وقد سكت المصنف والناظم عن "إما" الأولى؛ لأنه لا عمل لها في عطف أو غيره. ويرى بعض النحاة أن "إما" الثانية والأولى متشابهان في الحرفية، وفي تأدية المعاني المتقدمة، وأن كلام منهما ليس حرف عطف، أما الأولى؛ فلأنه ليس قبلها معطوف عليه، والثانية تقع دائماً بعد الواو العاطفة بلا فاصل، والعاطف لا يدخل على مثله، قيل: وهو رأي حسن يجدر الأخذ به.
وقد تحذف "إما" الثانية لوجود ما يغني عنها، والغالب أن يكون "وإلا"؛ تقول: إما أن يتكلم الإنسان بخير، وإلا فليسكت.
(١) فإنها عنده مخففة من الثقيلة، ومعناها الاستدراك، وما بعدها معمول لمحذوف يدل عليه المذكور قبلها، وإذا ذكرت معها الواو فالعطف بالواو لا بها.
(٢) أي: واستدراك أيضا، وليست عاطفة، والجملة بعدها مستقلة في إعرابها عن الجملة التي قبلها.
(٣) بيت من البسيط، من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني، يمدح فيها الحارث بن ورقاء الصيداوي.
اللغة والإعراب: ورقاء: اسم رجل. بوادره: جمع بادرة، وهي ما يبدر من الإنسان عند الغضب. وقائعه: جمع وقيعة؛ وهي إنزال الشر بالأعداء. تنتظر: تخشى ويرتقب وقوعها. "ابن ورقاء" ابن اسم إن، ورقاء مضاف إليه. "لا تخشى بوارده" الجملة من الفعل ونائب الفاعل خبر إن. "لكن" حرف ابتداء واستدراك. "وقائعه" مبتدأ ومضاف إليه. "في الحرب" متعلق بتنتظر، وجملة "تنتظر" خبر المبتدأ.
المعنى: إن هذا الرجل لا يخاف منه عند غضبه وحدته؛ لأنه يملك نفسه عند الغضب؛ فلا يغدر ولا يخون، لكن فتكه بأعدائه في الحرب يرتقب ويخشى منه.
الشاهد: مجيء "لكن" حرف ابتداء لا عطف؛ لأن الواقع بعدها جملة لا مفرد.