أو تلت واواً؛ نحو: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾؛ أي: ولكن كان رسول الله (١). وليس المنصوب معطوفًا بالواو (٢)؛ لأن متعاطفي الواو المفردين لا يختلفان بالسلب والإيجاب (٣). أو سبقت بإيجاب؛ نحو:
قام زيد لكن عمرو لم يقم (٤). ولا يجوز:"لكن عمرو على أنه معطوف (٥)؛ خلافاً للكوفيين.
وأما بل: فيعطف بها بشرطين: إفراد معطوفها (٦)، وأن تسبق بإيجاب، أو أمرٍ، أو نفي،
(١) بين بهذا التقدير أنه إذا سبقتها الواو وجب أن تقع بعدها جملة تعطف بالواو على ما قبلها، وتكون "لكن" حرف استدراك وابتداء لا غير. "ورسول الله" خبر لكان المحذوفة، ومضاف إليه. من الآية ٤٠ من سورة الأحزاب.
(٢) أي على أنه من عطف مفرد، وهو "رسول الله" على مفرد وهو "أنا أحد".
(٣) فإن المعطوف عليه؛ وهو "أبا أحد" منفي، والمعطوف؛ وهو "رسول الله" مثبت. أما عطف الجملتين بالواو، فيجوز تخالفهما نفيًا وإيجابًا؛ تقول: حضر محمد ولم يحضر علي.
(٤) فـ" لكن" هنا حرف استدراك وابتداء لا عاطفة، و"عمرو" مبتدأ، وجملة لم "يقم" خبر. وجملة المبتدأ والخبر مستقلة.
(٥) أي: وحده على زيد، لعدم تقدم نفي أو نهي.
ومما تقدم يتبين: أن "لكن" حرف استدراك دائما، وأنها لا تعطف إلا بالشروط الثلاثة المذكورة مجتمعة؛ فإن فقد منها شرط لم تكن عاطفة، ووجب دخولها على الجمل، وتكون حرف استدراك وابتداء معا. والاستدراك يستلزم أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها في الحكم. وبما أن ما قبلها يجب أن يكون منفيًا أو منهيًا عنه؛ فيكون كلام الذي بعدها مثبتا دائما.
(٦) ومعناه يختلف باختلاف ما قبله؛ من كلام مثبت، أو مشتمل على صيغة أمر، أو نفي، أو نهي، كما سيبين المصنف؛ فإن دخلت "بل" على جملة كانت حرف ابتداء، ومعناها الإضراب؛ إما الإيطالي؛ وهو الذي يقتضي نفي الحكم السابق، والقطع بأنه غير واقع؛ نحو قوله تعالى: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُون﴾، ٢٦ من سورة الأنبياء؛ أي بل هم عباد؛ بناء على أن المضرب عنه المقول. أو الانتقالي؛ وهو: الذي يراد به الانتقال من غرض إلى غرض آخر، مع بقاء الحكم السابق، وعدم إلغائه؛ نحو: قوله سبحانه: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، من الآية: ٢٦ من سورة الأعلى.