أو نهي. ومعناها بعد الأولين سلب الحكم عما قبلها لما بعدها؛ كقام زيد بل عمرو، وليقم زيد بل عمرو (١)، وبعد الأخيرين تقرير حكم ما قبلها، وجعل ضده لما بعدها، كما أن "لكن" كذلك؛ كقولك:"ما كنت في منزل ربيع؛ بل في أرض لا يهتدي بها"(٢)، و"لا يقم زيد بل عمرو. وأجاز المبرد كونها ناقلة معنى النفي والنهي لما بعدها؛ فيجوز على قوله: ما زيد قائما بل قاعداً، على مغني: بل ما هو قاعداً (٣).
(١) فإن القيام في المثالين مسكوت عنه بالنسبة لزيد، وثابت لعمرو؛ فالواو هنا حرف عطف وإضراب انتقالي.
(٢) أي لم أكن في مكان مخصب أهل؛ بل كنت في قفر مجهول؛ فهنا تقرير لنفي الكون في منزل ربيع، وإثبات الكون في الأرض المجهولة. وفي المثال بعد: تقرير نهي زيد عن القيام. وأمر عمرو به. فـ"بل" في المثالين حرف عطف واستدراك.
وخلاصة ما تقدم: أن "بل" مع الخبر المثبت والأمر تفيد إزالة الحكم عما قبلها؛ بحيث يصير كالمسكوت عنه، وجعله لما بعدها. وبعد النفي والنهي تفيد تقرير ما قبلها وإثبات نقيضه لما بعدها. وفي حكم "بل" يقول الناظم:
و"بل" كـ"لكن" بعد مصحوبيها … كلم أكن في مربع بل تيها*
أي أن "بل" مثل "لكن" في أنها تقرر حكم ما قبلها وتتركه على حاله، وتثبت ضده لما بعدها، إذا كانت بعد نفي أو نهي، وهما المراد بقوله "بعد مصحوبيها". والمربع: المكان الخصيب الذي ينزل فيه القوم زمن الربيع خاصة. والتيها: الأرض الصحراء التي يتيه فيها المرء، ولا يهتدي إلى مقصده.
(٣) قيل: إن مثل هذا الاستعمال لم يسمع عن العرب؛ لأنه يلزم عليه أن "ما" لا تعمل في "قائمًا" شيئا؛ لأن شرط عملها بقاء النفي في المعمول، وقد انتقل عنه. وقد أجيب بأن الانتقاض جاء بعد مضي العمل فلا يضر.
* "وبل" مبتدأ مقصود لفظه. "كلكن" جار ومجرور خبر. "بعد" ظرف متعلق بمحذوف حال من بل. "مصحوبيها" مضاف إليه. و"ها" عائدة إلى لكن. "في مربع" جار ومجرور خبر أكن. "بل" حرف عطف "تيها" بالقصر معطوف على مربع، وأصله: تيهاء.