كقوله:
وقمت فيه بأمر الله يا عمرا (١)
(١) عجز بيت من البسيط لجرير، يرثي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ﵁، وصدره: حملت أمرًا عظيمًا فاصطبرت له
وقبله:
نعى النعاة أمير المؤمنين لنا … يا خير من حج بيت الله واعتمرا
وبعده:
فالشمس طالعة ليست بكاسفة … تبكي عليك نجوم الليل والقمرا
اللغة والإعراب: حملت: كلفت. أمرًا عظيمًا: هو الخلافة وتبعاتها الشاقة. اصطبرت: بالغت في الصبر والاحتمال. "حملت" فعل ماض للمجهول، والتاء نائب فاعل مفعول أول. "أمرا" مفعول ثان. "فاصطبرت" معطوف على حملت. "لها" جار ومجرور في محل نصب مفعول اصطبرت. "يا عمرًا" يا حرف نداء وندبة، "عمرا" منادى مندوب مبني على ضم مقدر على آخر، منع من ظهوره الفتحة العارضة لمناسبة ألف الندبة.
والمعنى: كلفت الخلافة وعهد إليك بشئون المسلمين، في وقت عم فيه الظلم وفشا الجور؛ فصبرت على تلك المشاق، وقمت بما أمرك الله، فقضيت على الفساد ونشرت العدل بين الناس، فأرضيت الخلق والخالق.
والشاهد: استعمال "يا" للندبة لأمن اللبس؛ فإن صدور ذلك بعد موت عمر، دليل على أن المقصود الرثاء والتوجع، لا النداء، وكذلك اتصال ألف الندبة في آخره دليل على أنه أراد الندبة لا النداء. وفي بيان أدوات النداء، ومواضع استعمالها، يقول الناظم:
وللمنادى الناء أو كالناء "يا" … و"أي" و"آ" كذا "أيا" ثم "هيا"
والهمز للداني و"وا" لمن ندب … أو "يا" وغير "وا" لدى اللبس اجتنب*
أي أنه يستعمل للمنادى النائي؛ أي البعيد، أو ماي يشبهه مما ذكرناه، هذه الأحرف الخمسة التي سردها، وأن الهمزة تستعمل لنداء الداني؛ أي القريب، وأن "وا" للمندوب، وكذلك "يا"، بشرط أمن اللبس، فإن خيف لبس بالمنادى، تعينت "وا" كما إذا كنت تندب شخصًا اسمه "علي"، وبحضرتك مسمى بهذا الاسم؛ فإنه لو أتي بيا احتمل نداء الحاضر.
هذا: ويجوز نداء القريب بما للبعيد؛ لعلة بلاغية؛ كالتوكيد، والحث على الإصغاء.
* "وللمنادى" متعلق بمحذوف خبر مقدم. "الناء" صفة له. "أو كالناء" عطف عليه. "يا" بالقصر مبتدأ مؤخر مقصود لفظه. "وأي وآ" معطوفان على "يا". "كذا" خبر مقدم. "أيا" مبتدأ مؤخر. "ثم هيا" معطوف على "أيا".