وأما "ليت"(١) فنحو: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾. وأما قوله:
فيا ليتني إذا ما كان ذاكم (٢)
فضرورة عند سيبويه (٣).
(١) إنما وجبت معها النون؛ على الراجح؛ لقوة شبهها بالفعل في المعنى والعمل.
(٢) صدر بيت من الوافر، وعجزه:
ولجت وكنت أولهم ولوجا
وهو لورقة بن نوقل؛ ابن عم السيدة خديجة؛ قاله لها حين أخبرته بما حدثها به ميسرة غلامها؛ من كلام بحيرا الراهب له، وما شاهده من تظليل الغمام للرسول ﷺ، أثناء سفره معه في تجارة لخديجة.
اللغة والإعراب:
كان ذاكم: كان تامة بمعنى حدث، واسم الإشارة يعود إلى ما حدث به ميسرة من كلام بحيرا؛ وأنه سيبعث رسولا وهاديا. ولجت: دخلت، يريد دخوله في الإسلام. "فيا ليتي" الفاء عاطفة، و"ياء" للنداء، والمنادى محذوف؛ أي: يا هؤلاء، و"ليت" حرف تمن ونصب، والياء اسمها. "إذا" ظرف مضمن معنى الشرط. "ما" زائدة. "ذا" فاعل كان التامة "ولجت" الجملة خبر ليت، أو جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه خبر. "ولوجا" تمييز.
المعنى: أتمنى إذا حدث ذلك الأمر أن أكون حيا وقتئذ، فأدخل في هذا الدين، وأكون أول الداخلين فيه، والمصدقين به.
الشاهد: في "ليتي"؛ حيث حذفت منها نون الوقاية؛ للضرورة، عند اتصالها بياء المتكلم، والأصل اقترانها بها.
(٣) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، مولى بني الحارث بن كعب، إمام البصريين وسيبويه لقبه؛ ومعناه بالفارسية:"رائحة التفاح". قيل لقب بذلك للطافته ونظافته، وكانت وجنتاه كأنهما تفاحتان. أصله من فارس، ونشأ بالبصرة، وأخذ النحو والأدب عن الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأخفش، وعيسى بن عمر، وغيرهم. وبرع فيهما حتى أصبح إماما لا يجارى في العربية. وكانت في لسانه حبسة، وقلمه من لسانه. وكان إذا أقبل على الخليل بن أحمد يجله ويقول:"مرحبا بزائر لا يمل". وما يقول هذا لغيره. وكتابه يعتبر خير الكتب التي ألفت في النحو، وأجمعها لمسائله، ولا يزال مرجع العلماء إلى اليوم. وقد اشتراه الجاحظ من ميراث الفراء، وأهداه إلى محمد بن عبد الملك الزيات؛ فسر به وقال:"والله ما أهدي إلي شيء أحب إلي منه". وقد قدم سيبويه إلى العراق في عهد الرشيد، وناظر الكسائي -إمام الكوفيين ببغداد- في حضرة يحيى بن خالد البرمكي، وكان مع الكسائي نحاة الكوفة، فناصروه على سيبويه؛ فخرج من المجلس مغموما، واتجه إلى فارس فأقام بها، ولم يعد إلى البصرة حتى مات سنة ١٨٠ هـ، وقد نيف على الأربعين، ودفن بشيراز.