وأجاز الكوفيون والأخفش والفارسي للمضطر، أن يمنع صرف المنصرف، وأباه سائر البصريين، واحتج عليهم بنحو قوله:
طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت … بشبيب غائلة النفوس غدور (٢)
المعنى: أنه لما دخل عليها الخدر اضطرارا، وخافت أن يعقر بعيرها، فتضطر راجلة، فدعت عليه بالويل.
الشاهد: في "عنيزة"؛ حيث صرفه وجره اضطرار، مع أنه علم لمؤنث ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث.
(١) أي صرف ما لا ينصرف مطلقا، قال الأخفش: وكأنها لغة الشعراء؛ لاضطرارهم إلى ذلك في الشعر؛ فجرى على ألسنتهم في النثر. وفي الحالتين السابقتين تعرب الكلمة على حسب موقعها من الجملة، والصرف جائز فيها لا واجب.
(٢) بيت من الكامل، للأخطل التغلبي النصراني، من قصيدة يمدح فيها سفيان بن الأبيرد، نائب الحجاج، ويذكر ما كان بينه وبين شبيب بن يزيد، أحد رؤوس الخوارج الأزارقة، وكان قد عظم أمره حتى ادعى خلافه، وتسمى بأمير المؤمنين، في عهد عبد الملك بن مروان.
اللغة والإعراب: الأزارق: جمع الأزرق. وأصله الأزارقة؛ فحذفت التاء للضرورة؛ وهم فئة من الخوارج تنسب إلى نافع بن الأزرق، أحد رءوس الخوارج. وكان عليه أن يقول: الأزارقة؛ كما قيل: أشاعرة، ومهالبة، في جمع أشعري ومهلبي؛ لأنهم يزيدون التاء في الجمع عوضًا عن ياء النسب، ولكنه حذف التاء للوزن. الكتائب: جمع كتيبة، وهي الفصيلة من الجيش، وتطلق على الخيل المغيرة من المائة إلى الألف. هوت: سقطت. غائلة النفوس: هي المنية؛ لأنها الناس وتفتك بهم. غدور: صيغة مبالغة من الغدر. "الأزارق" مفعول طلب، وفاعله يعود على سفيان المذكور. "إذا" ظرف زمان بمعنى حين، معمول لطلب. "بشيب" متعلق بهوت مجرور بالكسرة، أو بالفتحة نيابة عن الكسرة، على قولين. "غائلة النفوس" غائلة فاعل هوت. والنفوس مضاف إليه. "غدور" بدل من غائلة أو نعت لها.