وكذلك تقول في "من"(١)؛ إلا أن بينهما فرقا من أربعة أوجه (٢):
أحدها: أن "أيا" عامة في السؤال؛ فيسأل بها عن العاقل كما مثلنا، وعن غيره كقول القائل: رأيت حمارًا، أو حمارين، و"من" خاصة بالعاقل.
الثاني: أن الحكاية في "أي" عامة في الوقف والوصل؛ يقال: جاءني رجلان، فتقول: أيان بالوقف، أو أيان يا هذا.
والحكاية في "من" خاصة بالوقف (٣) تقول: "منان" بالوقف والإسكان، وإن وصلت قلت: من يا هذا؟ (٤) وبطلت الحكاية، فأما قوله:
(١) أي: إذا حكيت بها نكرة مذكورة، تقول للمفرد: منا، ومنه، وللمثنى منين، منتين، وللجمع: منين، منات، و"من" في الجميع مبنية، وهي مبتدأ مبني على سكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة للحرف الذي جلبته الحكاية في محل رفع، والخبر محذوف كما تقدم في أي. وليست "منان" و"منين" ونحوهما معربة، كما يتوهم من علامات التثنية ولجمع؛ بل هي لفظ:"من" زيدت عليها هذه الحروف للدلالة على حال المسئول عنه.
(٢) هناك فرق خامس وهو: أن "أيا" تختص بحكاية النكرة؛ و"من" تحكى بها النكرة، ويحكى بعدها العلم من المعارف بشروط كما سيأتي.
(٣) وفي هذا يقول الناظم:
ووقفًا احك ما لمنكور "بمن" … والنون حرك مطلقًا وأشبعن*
أي: إن سئل عن منكور مذكر بـ"من"، فاحك فيها في حالة الوقف ما له من إعراب وغيره، وحرك النون في أحوال إعراب المحكي الثلاثة، وأشبع حركتها لينشأ عنها ما سبب المحكي.
(٤) أي: بإبقائها ساكنة على لفظها في جميع الأحوال؛ فلا تحرك نونها، ولا تشبع ولا تلحقها علامات الفروع.
* "ووقفًا" حال من فاعل احك، أو منصوب على نزع الخافض، "ما" اسم موصول مفعول احك. "لمنكور" متعلق بمحذوف صلة "بمن" متعلق باحك. "والنون" مفعول حرك مقدم. "مطلقًا" نعت لمصدر محذوف؛ أي: تحريكًا مطلقًا، "وأشبعن" فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة.