السادسة: أن تكون لاما لـ"فُعْلَى"، بالضم: صفة؛ نحو: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾، وقولك: للمتقين الدرجة العليا (١)، وأما قول الحجازيين:"القُصْوَى"، فشاذ قياسًا، فصيح استعمالًا (٢)، نُبه به على الأصل؛ كما في استحوذ والقَوَد فإن كانت "فُعْلَى" اسمًا لم تُغَيَّر (٣)؛ كقوله:
أدارًا بِحُزْوَى هِجت للعين عَبْرة (٤)
(١) فإن أصلهما: الدنوا والعلوا؛ من الدنو والعلو؛ بدليل دنوت دنوا، وعلوت علوا؛ قلبت الواو ياء للاستثقال، وللفرق بينها وبين "فعلى" الاسم.
(٢) وهي لغة قريش، وقد وردت كثيرا في كلامهم، وجاء في القرآن الكريم: ﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى﴾ [سورة الأنفال الآية: ٤٢].
(٣) بل تبقى الواو بدون قلبها ياء؛ وذلك فرقا بينها وبين الصفة، ولم يعكس الوضع؛ لأن الاسم أخف من الصفة.
(٤) صدر بيت من الطويل، لذي الرمة، غيلان بن عقبة، وعجزه:
فماء الهوى يَرْفضُّ أو يَتَرَقْرَق
اللغة والإعراب: حزوى: اسم موضع بالحجاز، يكثر ذكره في شعر ذي الرمة. هجت: أثرت وحركت. عبرة: دمعة. ماء الهوى: المراد به: الدمع، وأضيف إلى الهوى لأنه سببه، يرفض: يسيل وينصب متفرقا يترقرق: يبقى في العين متحيرًا مضطربا يجيء ويذهب.
"أدارا" الهمزة للنداء، ودارا منادى منصوب وإن كان نكرة مقصودة؛ لأنه شبيه بالمضاف؛ لوصفه بحزوى قبل النداء، وتقدم أن النكرة المقصودة إذا وصفت ترجح نصبها على ضمها؛ كما في حديث:"يا عظيما يرجى لكل عظيم". "بحزوى" جار ومجرور، متعلق بمحذوف صفة لدار، "عبرة" مفعول هجت.
المعنى: أن هذه الدار بهذا الموضع تثير الذكريات، وأيام الحب والهوى؛ فتذرف العين دمعها أحيانا، ويضطرب فيها أخرى.
الشاهد: في حزوى؛ حيث بقيت الواو على حالها ولم تقلب ياء؛ لكونها اسما لا صفة، وفي هذا يقول الناظم: =