والرابع "كأن": هو للتشبيه المؤكد (١)؛ لأنه مركب من الكاف وأن.
والخامس "ليت": وهو للتمني، وهو: طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر (٢)؛ نحو: ليت الشباب عائد، وقول منقطع الرجاء: ليت لي مالًا فأحج منه.
(١) أي: تشبيه اسمها بخبرها فيما يشتهر به الخبر، تشبيها أقوى من التشبيه بالكاف. ولا يليها في الغالب إلا المشبه، أما الكاف ومثل ونحوهما، فيليها المشبه به في الأكثر. واستعمالها في التوكيد مطرد عند جمهور النحاة. وبعضهم يقول: إنها لا تكون للتشبيه إلا حيث يكون خبرها اسما أرفع من اسمها شأنا، أو أحط منه قدرا؛ نحو: كأن محمدا أمير، وكأن القادم لص. أما إذا كان خبرها فعلا، أو ظرفا، أو جارا أو مجرورا، أو صفة من صفات اسمها؛ فإنها تكون للظن، وتأتي للتحقيق، وجعل منه قول الشاعر:
فأصبح بطن مكة مقشعرا … كأن الأرض ليس بها هشام
هذا: ومن الأساليب الفصيحة المسموعة قولهم: "كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل"، وهذا القول منسوب إلى سيدنا علي -كرم الله وجهه- وهو خطاب موجه إلى المحتضر. وخير ما قيل في إعرابه:"كأن" حرف تشبيه والكاف اسمها. "بالدنيا" متعلق بالفعل. "لم" حرف نفي وجزم. "تكن" تامة بمعنى توجد مجزومة بلم والفاعل أنت، والجملة في محل رفع خبر كأن، أي: كأنك عند الاحتضار لم توجد بالدنيا، وذلك لسرعة زوالها. وقيل:"بالدنيا" متعلق بمحذوف خبر، وجملة "لم تكن" في محل نصب حال؛ أي: كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها. أما قولهم: كأنك بالشتاء مقبل، فإن "مقبل" هو الخبر، و"بالشتاء" متعلق به.
(٢) يكون التمني في الممتنع والممكن المرغوب في تحقيقه، ولا يكون في الواجب وقوعه؛ فلا يجوز أن يقال: ليت غدا يأتي، إلا إذا أريد إتيانه الآن -كقوله تعالى: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾؛ أي: تمنوه قبل وقته؛ لأنه واجب. وتختص "ليت" بأسلوب يلتزم فيه حذف خبرها وهو: "ليت شعري … " وينبغي أن يكون الاسم -كلمة "شعر"- مضافة إلى ياء المتكلم، وبعدها جملة مصدرة بالاستفهام؛ تقول: ليت شعري؛ أمقيم أنت أم مسافر؟ أي: ليت شعري عالم بجواب هذا السؤال. وكذلك تختص "ليت" بدخولها على "أن" المشددة ومعموليها، فتستغني بالمصدر المؤول من ذلك عن اسمها؛ وخبرها، تقول: ليت أن السلام دائم. وقيل: إن الخبر محذوف؛ أي: ليت دوام السلام حاصل.