ووجب عند غير المبرد وابن كيسان تكرارها (١)؛ نحو: لا زيد في الدار ولا عمرو؛ ونحو: ﴿لا فِيهَا غَوْلٌ﴾ (٢) .. وإنما لم تكرر في قولهم:"لا نولك أن تفعل"(٣)، وقوله:
أشاء ما شئت حتى لا أزال لما … لا أنت شائية من شأننا شاني (٤)
للضرورة في هذا، ولتأول "لا نولك" بلا ينبغي لك (٥).
(١) قال الصبان: أما في المعرفة فجبرا لما فأتها من نفي الجنس، وأما في الانفصال فتبنيها بالتكرار على أنها لنفي الجنس؛ لأن نفي الجنس تكرار للنفي في الحقيقة، ومنه يعلم أن إلغاءها لا يخرجها عن كونها لنفي الجنس في النكرات.
(٢) الغول: كل ما يغتال العقول ويفسدها، ومنه "الغول".
(٣) النول: مصدر بمعنى التناول؛ وهو هنا بمعنى المفعول، و"لا" نافية مهملة. "نولك" مبتدأ ومضاف إليه. "أن تفعل" أن والفعل في تأويل مصدر خبر المبتدأ؛ أي: ليس متناول هذا الفعل، بمعنى أنه لا ينبغي لك تناوله.
(٤) بيت من البسيط، أنشده الفراء وابن كيسان، ولم ينسباه لأحد.
اللغة والإعراب:
شاني: اسم فاعل من شنأ الشيء، إذا أبغضه وكرهه، وأصله شانئ بالهمزة، فخففت بقلبها ياء. "ما" اسم موصول مفعول أشاء، وجملة "شئت" صلة والعائد محذوف؛ أي: شئته. "حتى" ابتدائية. "أزال" مضارع مرفوع. وقيل: غائية بمعنى "إلى" و"أزال" منصوبة بأن مضمرة بعدها، واسمها أنا. "لما" اللام جارة، و"ما" موصولة، والجار والمجرور متعلق بشاني. "لا أنت" لا نافية و"أنت" مبتدأ. "شائية" خبر والجملة صلة. "من شأننا" متعلق بشائية، أو حال من ما. "شاني" خبر زال، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.
المعنى: أحب كل ما تحبينه من الأشياء، حتى لا أزال مبغضا لكل شيء لا تحبينه ولا تريدينه من أمورنا.
الشاهد: دخول "لا" النافية على معرفة، وهو الضمير المنفصل، ولم تتكرر مع إهمالها. وقد تمسك بهذا البيت المبرد وابن كيسان، فلم يوجبا التكرار إذا اقترنت "لا" بالمعرفة، أو فصل بينها وبين اسمها؛ هو عند الجمهور ضرورة.
(٥) فقد دخلت "لا" على الفعل تأويلا؛ وهي إذا دخلت على الفعل غير الماضي الذي ليس دعائيا، لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة. =