وأما اختصارًا؛ فمنعه ابن ملكون (١) وأجازه الجمهور (٢).
كقوله:
ولقد نزلت فلا تظني غيره … مني بمنزلة المحب المكرم (٣)
(١) حجته هو ومن تابعه: أنه أحد جزأي الجملة. وابن ملكون هو: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن منذر بن ملكون، الحضرمي الإشبيلي، من المغاربة، كان أستاذًا نحويا جليلًا، روى عن أبي الحسن شريح، وروى عنه ابن خروف والشلوبين. وألف شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصيمري، وغير ذلك، وتوفي سنة ٥٨٤ هـ.
(٢) لأن المحذوف لدليل؛ كالمذكور.
(٣) بيت من الكامل، لعنترة بن شداد، من معلقته المشهورة التي مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم … أم هل عرفت الدار بعد توهم
اللغة والإعراب:
غادر: ترك. متردم: مستصلح؛ من ردمت الشيء؛ إذا أصلحته؛ يريد: هل ترك الشعراء لأحد معنى لم يتناولوه؟ توهم: إنكار وظن. المحب: المحبوب. "ولقد" الواو للقسم، واللام مؤكدة له، وقد للتحقيق. "نزلت" الجملة جواب القسم المحذوف. "فلا" الفاء للتفريع، ولا ناهية. "غيره" مفعول أول لتظن، ومضاف إليه، والهاء عائدة على النزول المفهوم من نزلت، والمفعول الثاني محذوف؛ لدلالة الكلام عليه؛ أي: حاصلا مثلا. "مني بمنزلة" متعلقان بنزلت، وقوله:"فلا تظني غيره" كلام معترض بين المجرور ومتعلقه.
المعنى: لقد نزلت -أيتها المحبوبة- من قلبي بمنزلة الشيء المحبوب المكرم؛ فلا تظني شيئا غير ذلك واقعا. وهذا مثال لحذف المفعول الثاني. ومثال ما حذف فيه الأول؛ قوله -تعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾؛ أي: لا يحسبن ما يبخلون به خيرا. فـ"خيرا" مفعول ثان، و"هو" ضمير فصل.
الشاهد: حذف مفعول ظن الثاني اختصارًا؛ وذلك جائز عند جمهرة النحاة، خلافا لابن ملكون.
* "تجز" مضارع مجزوم بلا الناهية. "هنا" ظرف مكان متعلق بتجز. "بلا" اسم بمعنى "غير"، ظهر إعرابه على ما بعده، مجرور محلا بالباء، وهو متعلق بتجز. "دليل" مضاف إليه. "سقوط" مفعول تجز. "مفعولين" مضاف إليه. "أو مفعول" معطوف على مفعولين.