خلافا له وللجرجاني (١)؛ لأن الطالب للمعمول إنما هو الأول، وأما الثاني فلم يؤت به للإسناد، بل لمجرد التقوية، فلا فاعل له، ولهذا قال:
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس (٢)
اللغة والإعراب: هيهات اسم فعل ماض بمعنى بعد، العقيق: مكان بالحجاز: خل خليل وصديق، نواصله: نصله، من المواصلة والوصال:"هيهات" الثانية توكيد للأولى، العقيق فاعل الأولى، و"من" اسم موصول معطوف على العقيق، "به" جاز ومجرور متعلق بمحذوف صلة من، "خل" فاعل هيهات الثالثة، "بالعقيق" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المفعول في "نواصله"، وهو فعل مضارع والفاعل نحن والهاء مفعول، والجملة صفة لخل.
المعنى: بعد عنا كثيرا ذلك الموضع ومن يقطن به من الأحباب والأصدقاء، وبعد الصديق والحبيب الذي كنا نتصل به ويتصل بنا، ونصله ويصلنا.
الشاهد: في "هيهات هيهات العقيق"، فهو ليس من قبيل التنازع؛ لأن العامل هو الأول، وإنما جيء بالثاني لتقوية الأول وتوكيده، كأن الشارع استشعر التردد أو التشكك في بعد هذا الكان، فأتى بهيهات الثانية ليؤكد البعد، وعلى ذلك فليس المعمول مطلوبا لهما معا، وإنما هو مطلوب في المعنى الأول لا غير.
(١) هو أبو بكر، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي، كان من كبار أئمة النحو والبلاغة يجرجان، أخذ النحو عن محمد بن الحسين بن عبد الوارث، المعروف بالفضل، وهو ابن أخت الفارسي، ولم يأخذ عن غيره؛ لأنه لم يخرج من بلده، وقرأ ونظر في تصانيف النحاة، وشدت إليه الرحال، وكان ﵀ ضيق العطن، لا يستوفي في الكلام على ما يذكره مع قدرته على ذلك، وله تصانيف كثيرة، منها: شرح الإيضاح والجمل، وإعجاز القرآن. ومات سنة ٤٨٤ هـ، ومن شعره:
كبر على العلم يا خليلي … ومل إلى الجهل ميل هائم
وعش حمارا تعش سعيدا … فالسعد في طالع البهائم
(٢) عجز بيت من الطويل، لم نقف على قائله، وصدره:
فأين إلى أين النحاة ببغلتي
اللغة والإعراب: البغلة: أنثى البغال، والواحد بغل. "فأين" الفاء عاطفة، وأين اسم