ولنا (١): أن في حذفه تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه (٢)، والبيت ضرورة.
وإن أعملنا الثاني: فإن احتاج الأول لمرفوع، فالبصريون يضمرونه لامتناع حذف العمدة؛ ولأن الإضمار قبل الذكر قد جاء في غير هذا الباب، نحو: ربه رجلا، ونعم رجلا (٣)، وفي الباب (٤)، نحو: ضربوني وضربت قومك، حكاه سيبويه، وقال الشاعر:
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني (٥)
فلما جاء الإسلام، هدم ذلك كله، يعشى: مضارع أعشاه، إذا أصابه بالعشا، وهو
ضعف البصر ليلا، والمراد هنا ضعف البصر مطلقا، لمحوا: من اللمح، وهو سرعة إبصار الشيء. شعاعه: ضوؤه وبريقه، "بعاظ" متعلق بمجمع في البيت قبله، وهو ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث، "يعشى" فعل مضارع، "الناظرين" مفعول به، "إذا" فجائية. "هم" مبتدأ، "لمحوا" فعل ماض وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، "شعاعه" فاعل يعشى ومضاف إليه، ويجوز أن يعرب "هم" فاعل لمحذوف، ويفسره "لمحوا"، وتكون الجملة مفسرة.
المعنى: أن سلاح قومها حين عرض بعكاظ، كان ضوؤه وشدة لمعانه وبريقه، يضر بصر الناظرين، إذا نظروا إليه، وروي: يعشى، أي يغطي، كأن البرق واللمعان عم الجيمع.
الشاهد: تنازع "يعشى" ولمحوا" العمل في "شعاعه"، وقد أعمل الأولى، ورفع شعاعه على أنه فاعل، وأعمل الثاني في ضميره فنصبه على أنه مفعول، ثم حذف؛ لأنه فضلة، ولو ذكره لقال: إذا هم لمحوه شعاعه، وهذا الحذف لضرورة الشعر عند البصريين.
(١) أي معشر البصريين، من الأدلة على امتناع حذف غير المرفوع.
(٢) فقد هيئ "لمحوا" للعمل في "شعاعه"، ثم قطع عن العمل فيه، برفعه على الفاعلية ليعشى من غير داع، بخلاف حذف الفضلة مع الأول، ففيه الفرار من الإضمار قبل الذكر، مع أنه فضلة.
(٣) فـ"رجلًا" فيهما تمييزللمجرور برب، والمرفوع فاعلا بنعم، والتمييز رتبته التأخير، فقد عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وهو التمييز.
(٤) أي: وجاء كذلك الإضمار قبل الذكر في هذا الباب الذي نحن فيه، كمثال المصنف.