والثالث: ابتداء الغاية (١) المكانية باتفاق؛ نحو: ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، والزمانية، خلافا لأكثر البصريين، ولنا قوله تعالى: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ (٢)، والحديث:"فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة"(٣)، وقول الشاعر:
تخيرن من أزمان يوم حليمة (٤)
(١) المراد بالغاية هنا: المقدار والمنسافة لا آخر الشيء، وعلامتها: أن يصلح في مكانها "إلى" أو ما يفيد فائدتها؛ نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن معنى أعوذ بالله ألتجئ إليه.
(٢) من الآية: ١٠٨ من سورة التوبة، ويقول البصريون: إن "من" لابتداء الغاية في الأحداث، والتقدير: من تأسيس أول يوم.
(٣) هذا حديث رواه أنس بن مالك قال: "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي وتهدمت البيوت، وتقطعت السبل؛ فادع الله. فدعا ﵇، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة".
(٤) صدر بيت من الطويل، للنابغة الذبياني، في وصف السيوف، من قصيدة له في مدح عمرو بن الحارث، أحد الملوك الغسانيين، وعجزه.
إلى اليوم قد جربن كل التجارب
اللغة والإعراب: تخيرن: وقع الاختيار عليهن، واصطفين، وضمير الإناث للسيوف المذكورة في قوله قبل:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم … بهن فلول من قراع الكتائب
"يوم حليمة": يوم من أيام حروب العرب المشهورة، وكان سنة ٦١ ق هـ. وحليمة هي: بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وكان أبوها قد وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء -ملك الحيرة بالعراق- فشجعت الجيش ومنحت أفراده جزءا من طيبها فانتصر وقتل النذر، وقد ضرب بذلك المثل فقيل:"ما يوم حليمة بسر". وهو يضرب لكل أمر مشهور. جرين: اختبرن وامتحن. التجارب: جمع تجربة، وهي اختيار الشيء مرة بعد أخرى. "تخيرن" مضارع للمجهول ونون النسوة نائب الفاعل. "من أزمان" متعلق به. "يوم حليمة" مضاف إليه. "إلى اليوم" متعلق أيضا بتخيرن. "قد" للتحقيق. "جربن" إعرابه مثل تخيرن. "كل" مفعول مطلق مضاف إليه "التجارب".